«نقد» للشعر القابع في العزلات - شوقي نجم

«نقد» للشعر القابع في العزلات - شوقي نجم

صدر العدد الأول من مجلة «نقد»، وفي رئاسة تحريرها الزميلان والشاعران زينب عساف وماهر شرف الدين، مخصصاً للشاعر والكاتب المسرحي بول شاوول ويتضمن مقالات نقدية وأبحاثاً أكاديمية عنه، لأسماء من المغرب ولبنان والجزائر، فضلاً عن مختارات من دواوينه واشعاره التي بدأ بإصدارها منذ العام 1974 وتعددت أشكالها وجواهرها. تكرّس المجلة نفسها إلى شعراء العربية المستحقين، على ما جاء في المقدمة، وسيكون العدد الثاني عن صلاح عبدالصبور، الشاعر الذي يستحق الثناء أيضاً.
قد يسأل كثيرون من هو الشاعر الذي يستحق في الشعر، ومن الذي لا يستحق. فالشعر مثل الجمال، ومثل الحب، بل ومثل كل شيء غير خاضع للقوانين والحدود والاتفاق، لا يمكن تحديده. لكن هذه المجلة قررت أن «تحتفي بالشعر ضد الحزب، وبالقصيدة ضد الشلة، وبجوهر الشعر ضد اشكاله»، وأن «لا بد من مشروع مستقل وحر، يعيد النقد إلى نفسه، أي إلى ضميره، وإلى مكانته».
إنه لشأن لافت أن يكون مراد المجلة على هذا النحو، في وقت يرفض جمهور القراء عن الشعر، فكيف بنقده.
أسئلة كثيرة تطرح على مجلة «نقد»، والسؤال الجوهري يبقى الآتي: ما معنى ان تصدر في بيروت مجلة في نقد الشعر، في خضم التحولات الأدبية، ومنها التحولات «المضادة» للشعر، وفي غمرة الازمات الوجودية والثقافية، إلى الحياتية والسياسية والاجتماعية؟
الأرجح أن مثل هذه المجلة، منذ ان تغامر بالصدور في هذا الزمن بالذات، تغامر في اعادة انشاء مكان آخر غير الذي يعيش فيه اللبنانيون واهل المنطقة العربية عموماً. ان تكافح مجلة بالنقد وبالشعر بحثاً عن مكان في زمن الذبح الحي، يعني انها تقاتل ضد الموت، وانها تعلن ان قلة قليلة تجد في مزاجها متسعاً للشعر والنقد، كافياً لأن يثبت دجل الزرقاويين ومدمني ثقافات الموت، ويثبت زوالهم، لأن ما يبقى في اجساد الامم ليس اكثر من الشعر، وما يقوم مقامه.
علينا الثناء على المجلة بصرف النظر عن جوهرها وشكلها، ومن اصدرها ومن حررها، إذ أن اصدارها في هذه الفترة بالذات يقع في مواجهة ثقافة الظلام والموت السائدة حالياً. انها مجلة تبعث على العزاء، بعيداً عن خطب الامناء العامين والخاصين. انها مجلة ثقافية، وضد ثقافة حرق الدواليب واحزابها.
ربما على المجلة ان تفتش عن اشكالية في اعدادها المقبلة، إلى جانب كونها تشكل اضاءة على بعض الشعراء الذين تراهم مستحقين، في العالم العربي، وفي وقت يعيش الشعر في عزلة راعبة، ويساهم تفشي الأمية وسوء توزيع الكتب في عزلته، اكثر فأكثر.
«نقد»، شمعة تخترق ظلام الطوائف وتلقي الضوء على الشعر القابع في العزلات، والذي يحتاج جهداً كبيراً ليكون في متناول القارئ القارئ، فكيف بالقارئ العادي.
بيروت، هذه المدينة المقصوفة والموقوفة،، هي المكان. ومن شيم المكان، إذاً كان كبيروت، أن يحتاج إلى «نقد»، وإلى كل نقد. مجلة في نقد الشعر، والآن، هي برهان آخر على أن المكان يولد. وباستمرار.