نافذة.. كبش الكتابة

نافذة.. كبش الكتابة - منصور هائل

ها هي أنفاس العيد تدهمنا وليس ثمة كبش يلوح أمام الذبيح  غير الكتابة.
الكتابة كبش مَن لا كبش له، فهلموا بنا نمارس طقس سكرتنا بذبح: الكتابة.
فما دمنا نكتب بألسنتنا، وأسناننا، وضروسنا، ونرغي، نزبد، ننعق، ننهق، نطرش حبراً أسود بضرب من التعويض عن عدم امتلاكنا أو حصولنا على مكبرات صوت منابر المساجد، والساحات العامة والفضائيات مؤخراً.
وما دام الحبر يلعقنا، ويندلق على بياض الأوراق والأذهان وعلى رأس كل من يقرأنا بانصياع مدمن لا يطيب مزاجه إلا بقرعة طبل، أو قارح بندق.
وبما أن اليد قد أضحت امتداداً للفم، وليس العضو المتقدم للدماغ، كما قال (إنجلز) فقد أصبحت أقوالنا تنهمر من أصابعنا، وأصبحنا نقول كل ما لا يخطر على بال، وننضح بأقوال لا تشي بأفكار، ولا تدل على تفكير ونحسب أن ما نفعل: كتابة.
وبأقل من مستوى الدوشان، بل وبافتراق عنه  وارتكاس إلى ما قبله، ذهبنا. لأن ترجمته تفيد على الأقل بأنه «ذو شأن» وذلك ما نفتقر إليه في بلاد طالما وصف فيها الصحافي بـ«الدوشان» وما أكثر أولئك الذين لا يضارعونه ثقافة وحرفية، ويحسبون أن كل من يتلطخ بالحبر يمارس فعل: الكتابة.
ونتشاجر بدلاً من أن نتحاور، ونتقابل بدلاً من أن نتجاور، ونتلاسن ونتلاعن وننبح و... لو كانت اليد حنجرة لبحَّت هذه اليد التي سرقت وظيفة الحنجرة بلصوصية تخلو من الظرافة والأمانة، غدت لا تتورع عن سكب «الهدرة»  على الصفحات  البيضاء  والنظيفة.
هكذا أصبح المرء لا يندهش تجاه ما توصف به الصحافة  حينما يسمع من يقول إنها «هدرة.. مجرد هدرة».
ولكم أن تتفطنوا لترادف «الهدرة» بالاهدار والهدر.. الهلاك! وعليكم أن لا تستغربوا أن بعض القائمين على الصحف وبعض أصحاب الصحف لا يمارسون الكتابة بقدر ما يكرعون على صفحات منشوراتهم ما تفيض به الحناجر وتنشحذ به السكاكين والخناجر ويستدعي تدخل «شيخ» وذبح ثور»!!
هكذا يدهمنا العيد ويذبح كبش الكتابة. هكذا نتكرس بالشفاهة والشفوية، ونتوحش في عالم ما قبل الكتابة، ولو كانت البلاد مزروعة بالأقلام ومحاطة ومخترقة ببحار وأنهار من حبر -مداد، فكل الشواهد والايام تقول وتشهد بأننا نرزح في ظلام ما قبل الكتابة, ما قبل الخبر والرأي الصحفيين.
mansoorhaelMail