الإبداع والأنسنة

الإبداع والأنسنة - عبدالحكيم الفقيه

حينما تتململ المجتمعات وتفعل المتغيرات المستقلة فعلها، فإن اضطرابات عنيفة تشقق بُنى الوعي وتصدع السيكولوجية. وقلة من يجيدون التجدد ورؤية المآل للتحول وتشوّفه. وقلة نادرة من تتفاقم عندهم عواقب التحولات ويترجمون تلك الهزات العنيفة في سياق جمالي ليجعلوا من قلق الزمان شلال تفاؤل للمكان وتتقلم أظافر الأمنيات المتوحشة كي لا تفجر بالونة الرؤية ويتبدد «نخس» التفاؤل.
الإبداع كعمل انساني يكركر الدمعات ويحيل شاهدات القبور إلى أبراج حمام ويغلف الجروح بمرهم الأمل، لا يحايد أو يهاون الفجيعة ولا يتمادى في أي استهتار ونفاق للأدلة الخؤونة والبواصل الزائفة، بل يتجدد في زمكنة متزامنة الذات والموضوع، ويتشبت بالحياة كطوره المأمول في الأنسنة الممتدة كبقع الشمس الزاحفة نحو غياهب الظلال في الجماجم المتوحشة والقلوب المسكونة ببهيم الحقد وحلكة العفن.
إن تحويرات الوجود الاجتماعي وحدها كفيلة بغرس أوتاد الاشكال الابداعية وتمتين مضامينها كمعادلات موضوعية للانتقال صوب رحاب آفاق العدل والحب والوئام المنشود.
ويظل الإبداع, وسيبقى, القبس المتجدد والأفق المتمدد والمنجم الذي تنصهر فيه ركامات الواقع ليتخلق المستقبل الأقل إيلاماً والأكثر رحابة ليشرق فجر الأنسنة الأنقى من ضحكات القلوب وهسهسات المطر ورفرفات بيارق كأجنحة الملائكة.
صنعاء 4/12/2006م
abdulhakim-alfaqihMail