وأخرى.. حياة في ال inbox

وأخرى.. حياة في ال inbox

وكأنك ترث الموتى. كأنك هنا تقف في طابور إيمان مرسال، مع أنك على يقين من أن لا ضوء يمكنه التسكع في الليل.
وهكذا تروح في تهريب أيامك بترف، بلا أدنى قدر من اكتراث أو ندم مكتفياً بحياتك في المكان البعيد عن كل شيء بل وممتنعاً حتى عن الهذيان. عن قول أي كلام، أي كلام ولو من ذلك النوع الذي لا يقول شيئاً. الكلام الفارغ المصنوع لقتل الأيام واللحظات الثقيلة كما الخفيفة. كلها تساوت لديك الآن، أعلم، ولهذا لا تقول ولا تتحرك، باقياً في ميتتك.
لكن أين ذهب الحنين؟
وأين ذهبت رائحة الحياة؟
لا شيء، لا شيء على الاطلاق، سوى نظرات زائغة تنظر في فراغ العالم ولا تمسك ولو بتفصيلة واحدة. لا شيء سوى سيرك في ممر لا يؤدي إلى نقطة وصول بعينها. تسير فقط وتاركاً وراء عمرك كل ما كان وكنته ولا تبوح لأحد.
لم تعد ترغب شيئاً لنفسك، كما لا ترغب في شيء لغيرك. كل ما فيك يقول أنك لم تعد راغباً سوى عيشك المبتذل هذا والمقرف. لم تعد راغباً سوى في عيشة هي الموت وتمشي على قدمين فقط، هذا كل ما في الأمر كما ويختصره. مجموعة ركام. أشلاء وخرق بالية متسخة تماماً. فم بلا صوت. وأقدام بلا خطوة. أصابع من غير لمس. وشفاة بلا كلام أو حكي. رئة بلا تنفس وقلب بلا حب ولا حنين.
ألا ترى معي، إن كنت ما تزال ترى، أن حرقك صار لازماً. إبادتك والتخلص منك كما يتعاملون مع تلك الاشياء التي يشكل وجودها ضرراً على الآخرين وعلى البيئة. ألا ترى أنه صار لازماً التخلص منك وحرقك تماماً مثلما يتم التعامل مع طيور مصابة بالانفلونزا وأبقار مثقلة بجنونها. ألا ترى معي هذا وما فيه من فائدة تقول ان التخلص منك صار واجباً وطنياً تمليه الثوابت والمرتكزات السائحة على صفحات دساتير وبنودها!! وكل هذا لانك صرت عالة وعبئاً ثقيلاً على الحياة كماً ووزناً زائداً في حقيبة سفر. كل هذا لأنك صرت غارقاً، بشكل مزر في الوحشة البالغة منتهاها. كل هذا لانك صرت صفراً كبيراً وشعراً زائداً في جسد فتاة مراهقة تستعد فرحانة لاتمام زواجها.

- جمال جبران

 

* تنويه:

ما سبق من حلقات ماضية كان نشراً لمقاطع مطولة من كتاب «حياة في الinbox» نتوقف في هذا العدد عن مواصلة نشره في انتظار طباعته ونشره كاملاً في قادم الايام.