وأخرى.. حياة في ال inbox

وأخرى.. حياة في ال inbox

بالأمس كان عيد الحب، وكان الكون والعالم والجن والملائكة والناس أجمعين، كانوا كلهم في الأحمر وبداخله، كان الكون والعالم في الورود والقبل والكؤوس المتلاصقة كما الشفاة.
وكل هذا قلته لك وأنت ما تزال في عتمتك.
لكن اليوم، يحدث ان الكون والعالم في السينما.
هي ذاتها «السينما» التي كنت تقول أنها «بيتك البديل» وهي نفسها «الدنيا معروضة، بزهوها أمام عينيك».
هي السينما وكنت تنظر إليها بعينين دامعتين ومسلوبتين دائماً. السينما التي كانت تقول لك كيف يكون الشغف ويتشكل. وهي هنا دار سينما بلقيس، التي ماتت. التي كانت في داخل ميدان التحرير بصنعاء. السينما التي تم إغلاق ابوابها بالاسمنت، وبرغبات من كان يعتقد بضرورة بقاء صنعاء عارية من الجمال الباهي، عارية من أجمل ما فيها.
أتذكر هنا ذهابك إليها حافياً، ذهابك إلى دار سينما بلقيس هارباً من حصص التربية الاسلامية التي كنت لا تطيق مدرسها في صفوف الثالث الابتدائي.
وكل هذا كيما تشاهد أفلامك الهندية كل أحد واثنين وبشكل اسبوعي منتظم لم تكن تتخلف عن مداومتك عليهما، حتى لو اضطرك الأمر لاشتغالك بائع صحف على تقاطع الطرقات كيما تجمع ثمن تذكرة دخول، وكانت حينها ريالين فقط.
وهي السينما التي كانت تدافع بطريقتها عن جسدك الأسمر النحيل وتنتصر له على الدوام في مقابل أشقياء الحارة المجاورة للحارة التي كنت تسكن، وهم كانوا يتحرشون بك بغية منعك من اكمال طريقك باتجاه سينماك وحياتك. فهل نسيت كل هذا؟!
العالم اليوم في السينما، أقول لك، يحتفي بها ويكرم اصحابها الذين لطالما تركوا أشياء جميلة بداخلك بسبب ما كانوا يفعلونه من أدوار كانت تدهشك على طول ولا تنفك متحدثاً عنها وقائماً بالتطوع للاعلان عنها وعمل دعاية مجانية لها بين رفاقك. كنت حينها رجل علاقات عامة بامتياز.
كنت ممتلكاً لقدرة هائلة على اقناع الاخرين في مشاهدة هذا الفيلم أو ذاك، وكان هذا يتم بسهولة تامة كنا نستغرب كيف تنجح في فعلها.
العالم اليوم في السينما، أقول لك ويحتفل بأصحابها، العجوز مارتن سكورسيزي الذي نجح أخيراً وبعد رقم قياسي في الترشح للأوسكار، نجح في أن يكون على القمة عن طريق «الراحل». الفتى الاسمر ويل سميث صنع تحفة باذخة عن طريق «البحث عن السعادة» وضرب مثلاً في كيفية الوصول إلى النقطة التي نود مهما كان القهر والألم كبيراً و مرعباً وموالياً ضرباته على مؤخرة الكائن. المكسيكي اليخاندرو ايناريتو فعل «بابل» تاركاً قلوبنا موزعة على أربع حكايات لكنها تبكي لصق كل واحدة منها. هيلين ميرين فعلتها أخيراً في «الملكة» وأكدت مجدداً كيف أن ما يحدث على الشاشة قد يكون أجمل بكثير مما يحدث خارجها.
وكذلك فعلت بينولوبي كروز في «العودة» ومع الاسباني المدهش المودوفار صاحب «كل شيء عن أمي» و«تحدث معها».
ولن أنسى هنا إخبارك عما يفعله ليوناردو ديكابريو هذه الايام. لقد كبر هذا الصبي فجأة، شب عن طوقه ومراهقته صانعاً عملين مدهشين «الراحل» و«الماس الدامي». وفي الاثنين كان بارعاً ومتفوقاً على ذاته وخارجاً عن ذاك الاطار الذي أدخلوه فيه عنوة.
المهم، ان العالم اليوم في السينما ويغني لها. العالم اليوم وعيونه تسكن في الشاشة وتنام عليها. السينما التي هي اجمل من الحياة. وأنت غائب عن كل هذا ولا تود سماعاً ولا رؤية، ملقياً كل شيء.. كل شيء وراء ظهرك.

- جمال جبران