نافذة.. رقص الهاوية

نافذة.. رقص الهاوية - منصور هائل

تمخضت وليمة الانتخابات الرئاسية اليمنية عن فوز الحزب الحاكم بنتيجة لم يقنع بها الحاكم، وعن خسارة أحزاب اللقاء المشترك بنتيجة لم تقبل بها، وبذلك انسدَّت شرايين السياسة وتجلطت وتجمدت من غير اعلان يفيد بذهابها إلى غرفة الانعاش، أو إلى ثلاجة الموتى.
ولم يستطع الفائز التحرر من نفس خطاب الحملة الانتخابية: السجال الاتهامي، واستمرت «الحملة» والتي كنا نحسب بأنها عبارة عن وسيلة وإذا بها غاية في حد ذاتها ولذاتها، وتلك من العلامات الفارقة الشاهدة على فوضى المفارقات السوريالية التي تزخر بها اليمن -بلد الاهرامات المقلوبة، بحسب المفكر القدير أبو بكر السقاف -حيث تكرس الوسيلة كغاية بإرادة عليا لا تعرف التراجع عن نهج «الحملة» ولا تتعرف على ذاتها إلا في إطار سياق الحملة وما يتفرع عنها من حملات ترسخ بلغة الحرب وتغلف كافة المجالات والارجاء بظلال العسكرة.
أما على مستوى الضفة الاخرى وحيث يربض الطرف الخاسر، فيبدو أن هذا الطرف أصيب بعسر هضم «النتيجة» وتلبَّك وتعثر وتحير تحت وقع صهيل خيول الحملة المستمرة، ولم ينهض بمسؤوليته المطلوبة في مراجعة دوره وحساباته بأفق القراءة النقدية العقلانية، المفتوح على توسيع مساحات الايجاب ومراجعة جوانب السلب التي صاحبت تجربة تحالف احزاب «المشترك» ووصلت إلى نقطة فاصلة تمثلت بإجراء الانتخابات.
وكما يحدث في الارجاء العربية التي انسدت فيها أوردة السياسة أيضاً، وتلبدت أجواؤها سحب السوداء المنذرة والمتفجرة برعود وعواصف الحروب الأهلية.. كما يحدث في تلك الارجاء التي لم يقبل فيها فرقاء السياسة بحصاد صناديق الاقتراع، وبالأحرى لم يقبلوا بالهزائم الصغيرة والانكفاءات المؤقتة، وانزلقوا إلى الخيار الصفري: «إما هزيمة ساحقة وإما نصر مبين»، و بالتالي استسلموا لقدر الاختناق في قعر معادلات البؤس و«الرقص عند حافة الهاوية».
.. نعم، على غرار ما يحدث في تلك الارجاء تكرر الحال في اليمن وتجسمت مظاهر بؤس وقتامة هذا الحال على خلفية غياب نخبة سياسية وثقافية قادرة على إنتاج إدراك مشترك لهشاشة ومخاطر الوضع الذي تعيشه البلاد، نخبة مؤهلة لاستيعاب المصلحة العامة، وتمثَّل خطاب سياسي متعافٍ من أورام الشتائم والعنف اللفظي والارهاب الشامل.
mansoorhaelMail