قراءة في خطاب

قراءة في خطاب - د. ناصر محمد ناصر

في الواقع ليس لي موقف مع أو ضد أحد وليس لي مصلحة ذاتية لا مع سلطة ولا مع معارضة، وما أكتبه لا يعبر إلا عن رؤيتي وقناعتي الشخصية، ولا أهدف مما أكتب أكثر من محاولة خلق وعي عميق بطبية الأزمة التي نعيشها لدى شريحة ولو محدودة من الرأي العام. وبصفتي أرى المشهد السياسي من خارجه ارى أن من المفيد توجيه النقد بهدف التصحيح سواء كان موضوع هذا النقد سلطة أم معارضة، بل وحتى نقد الذات فأعلى درجات الوعي والنضج هو نقد الذات وليس نقد الآخر، وانطلاقاً من هذه الرؤية أريد قراءة خطاب الدكتور ياسين سعيد نعمان، الذي أكن له كل الإحترام والتقدير، فقد لفت انتباهي أن خطابه أثناء وبعد الإنتخابات الرئاسية السابقة تمحور حول محورين متضادين تماماً: الأول يرى فيه أن التزوير كان شاملاً وأن السلطة قررت سلفاً نسبة فوزها وحددته ب80٪_ في كل من الإنتخابات الرئاسية والمحلية، وأن حجم الخروقات في هذه الانتخابات فاق كل الخروقات في الانتخابات السابقة، وأن هناك من أراد توجيه رسالة للناس فحواها أن لا ديمقراطية لكم في هذا البلد إلا ما نقرر أن نهبه لكم نحن وفي الحدود التي نريد. أما المحور الثاني فهو يعتبر أن المعارضة بمشاركتها في تلك الانتخابات التي يصفها الدكتور ياسين بكل النعوت السابقة باتت مسؤولة عن إنقاذ اليمن من أن تتحول إلى دولة فاشلة، فكيف تكون المشاركة في انتخابات مزورة ونتائجها معروفة ومحددة سلفاً وسيلة لإنقاذ البلاد والحيلولة من أيلولتها إلى الفشل؟
والواقع أن الدكتور ياسين سعيد نعمان ليس جديداً على العمل السياسي ولا دخيلاً عليه، بل هو شخصية مجربة فقد عاصر وعايش كل الإتفاقات والتعهدات التي وقعها الحزب مع النظام قبل الحرب بما فيها وثيقة العهد والإتفاق، وهو يعلم سلفاً، قبل غيره وقبل توقيعه على وثيقة الضمانات التي سبقت الانتخابات الرئاسية أن شيئاً منها لن ينفذ وأن من نكث بكل الاتفاقيات والتعهدات والوعود السابقة لا يصعب عليه أن ينكث بهذه ايضاً، ونفهم توقيعه عليها بأنه أتى في ظل ميل حزب الاصلاح إلى المشاركة ونفهم أنه ليس بوسع الاشتراكي أن يتخذ موقفاً منفرداً خارج إطار المشترك، ونفهم أن نتيجة الانتخابات لم تكن مفاجئة للرجل نظراً لخبرته الطويلة والواسعة بالنظام، بل لا أظن أن أحداً قد فوجئ بالنتيجة، وأنا شخصياً لم افاجأ بها على الإطلاق وقد سبق أن أشرت إلى النتيجة المتوقعة قبل الانتخابات في مقالات نُشرت في أكثر من صحيفة، والشيء المثير هنا والذي لا أجد له تفسيراً هو أن الدكتور ياسين بعد ان يسرد كل الخروقات التي صاغت النتيجة والتي كانت متوقعة يتحول فجأة إلى مدافع عن مشاركة المعارضة في صياغة تلك النتيجة، تحت مبرر أن المعارضة تعتبر نفسها مسؤولة عن إنقاذ اليمن من أن تتحول إلى دولة فاشلة، بل إنه أكثر من ذلك يطالب النظام بدفع ثمن للمعارضة لقاء هذه الخدمة التي قدمتها. ولست أدري ما الثمن الذي يريده؟! لا أظن أن الرجل يخلط بين اليمن والنظام، فمن هو بمثل وعي الرجل وتفكيره لا تختلط عليه الأمور إلى هذا الحد، لكن الشيء المؤكد هو أن المعارضة لم ولن تحول دون تحول اليمن إلى دولة فاشلة، فسياسات النظام الذي أضفت عليه المعارضة طابع المشروعية تدفع اليمن دفعاً نحو تلك النهاية المتوقعة، بل إن المعارضة بمشاركتها في تلك المهزلة التي سميت انتخابات لم تفعل اكثر من أن أضفت على الفاشل والمخرب ثوب المشروعية وغطاءها ليكمل عملية التخريب التي يسير فيها باطمئنان بعد أن حررته من أزمة المشروعية. وما أتوقعه من الآن، ومؤشرات ذلك بادية عياناً، هو أن يشتد سعار الفساد خلال السنوات السبع القادمة نظراً لانعدام الأفق السياسي بعد عام 2013م، إذ ستعتبر قوى وعناصر الفساد هذه السبع العجاف فرصة قد لا تتكرر ينبغي اهتبالها، إذ لا شيء يضمن استمرار الوضع القائم بعد انتهاء الولاية الرئاسية الأخيرة، وفي هذا ما يدحض دعوى الدكتور ياسين سعيد نعمان من كون المعارضة بمشاركتها ساهمت أو ستساهم في انقاذ اليمن والحيلولة دون انزلاقها إلى وضع الدولة الفاشلة، وأنا شخصياً أشك في أن تستطيع المعارضة أن تنقذ حتى نفسها، فمن الواضح أن المعارضة كما النظام كلاهما فاشل، إذاً السؤال هو: من سينقذ من؟ أرى أن لا أحد سينقذ أحداً وأن البلاد في طريقها إلى الفشل والخراب.
إن الجماهير التي تسحقها آلة الفساد يومياً والتي تتضور جوعاً من سعار الأسعار المتصاعد وبشكل جنوني لا أظنها تقتنع بتخريجات الدكتور ياسين عن الدور الموهوم الذي يصور المعارضة كمنقذ للبلاد؛ فالجماهير لا تؤمن إلا بما تحسه وتلمسه. وهي تحس وتلمس يومياً، خلاف ما يقوله النظام وخلاف ما يقوله الدكتور ياسين. يبدو أن كثيراً من الأكاديميين مغرمون باستخدام قدراتهم العقلية ومهاراتهم الفلسفية في التنظير للهزائم وتحويلها إلى انتصارات مبهرة، هناك عشرات من حملة الدكتوراه يحتلون مواقع رسمية في واجهات النظام الأسروي بل إن نصف اعضاء مجلس الوزراء من هؤلاء الدكاترة الذين لا عمل لهم إلا حمل المباخر تحت أقدام السلطان، وتحويل فشله وإخفاقاته إلى انتصارات غير مسبوقة. ونحن في الواقع لا نريد أن تنتقل هذه العدوى إلى المعارضة، فالمعارضة ليست بحاجة إلى بورجي وشاطر جديدين ينظران لهزائمها ويحيلانها إلى انتصارات مبهرة. كان الدكتور محمد عبدالملك المتوكل أكثر حذراً من الدكتور ياسين حين كبا كبوة واحدة بالإشادة بمشاركة المعارضة ثم اختفت تلك النبرة من خطابه، بعكس الدكتور ياسين الذي أوغل في عملية التنظير للهزيمة مما أدى إلى اهتزاز صورته، وسيؤدي، إن استمر فيها، إلى تراجع مصداقيته، فالظهور ينبغي أن يكون محسوباً. ويبدو أن حسابات الدكتور ياسين ليست دقيقة لا من حيث مضمون ما يظهر به على الناس ولا من حيث توقيت ذلك الظهور. وأعتقد أن الدكتور ياسين كان من بين المتضررين من جراء أدائهم في الانتخابات الرئاسية السابقة كالشيخ الأحمر والشيخ الزنداني وإن كان أقلهم تضرراً.
افهم أن على المعارضة أن تختار التوقيت والأدوات المناسبة لإحداث التغيير وبالتأكيد التوقيت الآن غير مناسب وقد يكون أكثر مناسبة عام 2013 عندما تنتهي الفترة الرئاسية الأخيرة للرئيس الحالي، لكن ليس المطلوب من المعارضة الآن أن تسلم كل أوراقها وأن تضفي مشروعية على الوضع القائم تحت مبرر عدم ملائمة المرحلة، وأن تسعى إلى تبرير فعلها وتسويقه جماهيرياً، فهي بذلك تطيل من عمر النظام وتخفف من أزمته وتضعف نفسها في الوقت نفسه، وتبدو امام الرأي العام في حالة وهن وانكسار لا مبرر لهما. أرى أن اليمن في هذه المرحلة بحاجة ماسة إلى معارضة تتبنى سياسة مدروسة ومحسوبة وعقلانية، كما أنها بحاجة إلى خطاب واع وعقلاني من قبل المعارضة، خطاب لا يستغفل الناس ولا يسعى إلى تزييف وعي الجماهير فيحول المآسي والنكبات إلى منجزات، بل يعمد إلى الإعتراف بالخطأ ويعمل على تصويبه والعدول عنه ضماناً لعدم تكراره. وأرى أن على قادة المعارضة الإقرار والإعتراف بأن مشاركتهم في انتخابات اضفت المشروعية على الفساد واضعفتهم وأظهرتهم في دور «المحلل»، كان خطأً ينبغي الآن تلافيه وعدم تكراره في الانتخابات البرلمانية القادمة، استطيع أن أقول لهؤلاء البؤساء الملقبين بقادة اللقاء المشترك من الآن وبناءً على خبرة سابقة بكل من النظام والمعارضة، واقول ذلك بدرجة عالية من اليقين إن الغالب على تفكيرهم الآن هو المشاركة في الإنتخابات البرلمانية القادمة وسيحصلون على النسبة المقررة سلفاً وهي 20٪_ من مقاعد ما يسمى بمجلس النواب، أي أن بإمكانهم أن يؤمنوا لكوادرهم الحزبية 60 درجة وظيفية في مجلس الموظفين الشهير بمجلس النواب، وبإمكان الدكتور ياسين سعيد نعمان أن يؤمن لكوادر الاشتراكي من ست إلى سبع درجات وظيفية على أكثر تقدير في ذلك المجلس، وسيخرج علينا حينها ليحدثنا عن إنجازاته في الحيلولة دون تحول اليمن إلى دولة فاشلة، أليس هذا هو الفشل عينه؟! إن لم يكن كذلك فماذا يكون إذاً؟!