ماذا لو مات الرئيس؟

ماذا لو مات الرئيس؟ - لطفي شطارة*

الدعوة التي أطلقها الرئيس علي عبد الله صالح –أمس- من داخل عدن، والتي أمر بها التجار بتخفيض الأسعار، وما تبعها من حالة استنفار وهلع في اتحاد الغرف التجارية لعموم الجمهورية ووزارة التجارة، والارتباك في كيفية تدبر الأمر لتنفيذ أوامر الرئيس، وسرعة تحديد لقاء بينهم يعقد في صنعاء الليلة، يؤكد ما قلته في مقالي السابق بأن اليمن: دولة بلا مؤسسات، ووزارات بلا خطط. اليمن دولة تسير وفقا لمزاج رجل واحد وهو رئيس الجمهورية، يرفع الأسعار متى يريد ويخفضها متى يشاء، ويريد أن يقنعنا ويقنع العالم أجمع أنه لا يمن بدون علي، وأنه الرجل القوي الذي تخفض الأسعار بأمره، وتنشأ السكك الحديدية بإرادته، وتقام المحطات النووية لتوليد الكهرباء برغبته.. أراد الرئيس أن يقنع الشعب أمس أنه الأفضل عن بقية (الخونة والانفصاليين والإرهابيين والإسلاميين والشيوعيين والإماميين والمجانين من المعارضين”، ولم يقل لنا الرئيس وهو يتحدث في خواتم الشهر الكريم ويجب أن تكون مشاعره مخلصة كولي أمر جعل أمور حياتنا جميعها بيده، كيف نفعل إذا ما جاءه أمر الله وافتكره عزرائيل وودع هذه الدنيا الفانية؟.. كيف سنعيش؟ وكيف سنتماسك؟.. من سيوجهنا؟ ومن سيلملم شتاتنا بعد رحيل فارس العرب “ لا سمح الله “..؟! بالتأكيد -وكما يعتقد الرئيس- أن الخونة سيأكلوننا، والانفصاليين سيشطروننا.. والأماميين سيحكموننا.. والإرهابيين سيرعبوننا، والمجانين من المعارضون سيبهذلوننا.
دعوة الرئيس بخفض الأسعار ربما يأخذها البعض بأنها دعوة فيها لمسة إنسانية من الرئيس للتخفيف من عبء الغلاء الذي يكابده المواطن. ولكنها دعوة مخيفة ومزلزلة يجب أن يتنبه لها العالم وخاصة الدول المانحة والضامنة، الذين سيجتمعون في لندن منتصف الشهر المقبل. وخطورتها تكمن في أن كل شيء في اليمن لن يتم إلا بإرادة الرئيس علي عبد الله صالح، لا ضمانات ولا شروط، لا قوانين ولا مؤسسات، لا قضاء ولا محاكم.. الرئيس أراد أن يقول أن اليمن تسير بأمر علي، وعلي هو الضمانة وهو المؤسسة وهو العدل وهو القانون وهو الجامع بين الفرقاء وهو المفرق بين المتحدين.. كلام الرئيس في عدن أمس خطير، ومن السذاجة تصديق أي حديث عن مصفوفات ومنظومات قوانين تؤسس لمستقبل أفضل لليمن.
اذا أرادت الدول المانحة في مؤتمر لندن؛ الذي سيعقد خلال الفترة من 15-16 نوفمبر المقبل، معرفة الأسباب الحقيقية التي أدت بالاقتصاد اليمني إلى طريق مسدود، وأسباب إخفاق النظام في الجمهورية اليمنية في إحداث أي نقلة اقتصادية حقيقية في البلاد؛ فعليها استدعاء شخصين اثنين لا ثالث لهما: الأول الدكتور فرج بن غانم رئيس الوزراء المستقيل بعد ستة أشهر من توليه الوزارة، والثاني السيد جيمس ويلفنسون رئيس البنك الدولي السابق. وبدون الاستماع وبشكل صريح لهذين الشخصين عن نقاط الضعف في النظام اليمني والذي فشل حتى في بناء دولة بنظام مؤسسي، فإن من سيأتيهم من صنعاء للحديث عن ضمانات ومصفوفات اقتصادية و..و..و.. من المنظومات التي سيتحدثون عنها لن تنفع ولن تجدي، لان من سيصل الى لندن للحديث عن مستقبل أفضل في اليمن بعد الحصول على المساعدات، هم المسؤولون عن ضياع فرص تنمية حقيقية في البلاد، وهم المسؤولون عن المأزق الذي وصل إليه اليمن، وهم من يفترض أن يحاسبوا على جرائم تبديد الثروة وضياع القروض وجعل دولة وشعب غني بموارده يعيش عالة على العالم وصدقات الدول الغنية ويلهث للبحث عن فتات ثروة الخليجيين وسراب الانضمام إليهم. من سيصل لندن لاستجداء مزيد من القروض مقابل تسويق وهم. بينهم مسؤولون كبار متورطون في قضايا فساد تزكم الأنوف، وأياديهم عليها بصمات نهب واضحة من ثروة وشركات وأموال كدسوها خلال فترة توليهم المناصب التي لم يتركوها منذ عام 98 وحتى اليوم، بينهم مسؤولين كبار يمارسون غسيل أموال من فسادهم، أموالهم موجودة في بريطانيا بشكل عقارات او شركات او في البنوك، حصلوا عليها مقابل عائدات من عمولات لصفقات وتسهيلات.
فرج بن غانم رجل نظيف اليدين، رجل إدارة وتخطيط من الطراز الأول، قبل -وعلى مضض- أن يتولى رئاسة الحكومة لفترة لم تتجاوز أكثر (من عام من مايو 1997 الى مايو 1998) وجاءت حكومة بن غانم بعد أن فشلت حكومة عبد العزيز عبد الغني الذي عين رئيساً لمجلس الوزراء عقب حرب 1994 حتى عام 1997. قبل فرج بن غانم المنصب وهو يدرك أن الحرب أقيمت بسبب رفض الطرف المنتصر -بقوة الحرب- بناء دولة مؤسسات وإجراء إصلاحات حقيقية، والتي تحجج النظام وقتها بأنها قصمت ظهر الاقتصاد، ومع ذلك قبل اليمن ووافق البنك الدولي على الشروع في تطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي والسياسي، كان قد وضعه المهندس حيدر ابوبكر العطاس قبل حرب 94، غير أن السلطة التي أرادت الحرب للتفرد بالدولة وحدها، رفضت العمل بذلك البرنامج قبل الاستفراد بالحكم وفقا للأجندة الخاصة بها، وهذا ما حدث بالفعل، وهذه هي النهاية الطبيعية التي وصل إليها وضع اليمن.
لم يبق الدكتور فرج بن غانم في منصبه طويلا لأنه أراد التغيير وأرادوا له أن يبقى حلقة أخرى وجديدة من حلقات الفشل والفساد. وحده بن غانم يعرف الأسباب التي دفعته ليقدم استقالته إلى رئيس الجمهورية. وهو وحده يعرف أن قصر الستين ومن في داخله هم أكبر عقبة أمام أي تغيير او إصلاح في البلاد. وإذا لم تخوننا الذاكرة فإن الأستاذ علي سالم البيض نائب الرئيس سابقاً هو أول من تنبه بأن الوضع لن يتغير في اليمن طالما بقيت الدولة تسير بالتلفون. وهذه ربما القناعة التي وصل إليها بن غانم بأن هناك من يريد أن يملي عليه طرقا غير الطرق التي يريد ان يتبعها لإصلاح الوضع، او أن هناك من يرشح وزراء او من يعترض على تغيير وزراء، وعبر الهاتف. جاء فرج وانتظرنا الفرج ليتغير حالنا، ولكن ذهب فرج وتركنا بلا فرج منذ 1998 وحتى اليوم، من وضع يتأزم ويضيق، وفقر يتفاقم ويشكل قنبلة موقوتة لانفجار الوضع في اليمن " لا سمح الله "، كتلك التي القنبلة التي فجرها احتقان الصوماليين من حكم الطاغية محمد سياد بريز
فالمشكلة في اليمن ليست قضية موارد او صعوبة في التغيير، بل في السلطة التي تقف حجرة عثرة أمام التغيير، وحزب حاكم لا يوجد فيه من غير الفاسدين إلا قلة تعد بعدد أصابع اليد، ففرج بن غانم يجب أن يدلي بشهادته أمام مؤتمر المانحين في لندن، لأن المشكلة كما ذكرت ليس في الأموال ولا القروض ولا هروب المستثمرين، بل في تبديد المساعدات وغياب الدولة التي تجذب رؤوس الأموال بمؤسساتها وأنظمتها وقوانينها وقضائها العادل، وجميعها غير موجودة في اليمن التي تسير وفقا لإرادة علي.
ثم يجب أن يوجه مؤتمر لندن الدعوة للعجوز الاسترالي جيمس ويلفنسون رئيس البنك الدولي السابق، الرجل الذي في عهده تبنى البنك الدولي مشروع برنامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي الشامل، وعاد العام الماضي بعد عشر سنوات من بدء البرنامج، وقبل شهر من تقاعده عن العمل في المؤسسة الدولية، ليعلن ومن داخل اليمن أن البلاد على شفا كارثة اقتصادية، وقال كلمته الشهيرة ان السلطة في اليمن لم تفعل شيئاً لمحاربة الفساد وإنها تماطل في ذلك منذ إعلانها برنامج الإصلاحات منذ أكثر من عقد من الزمان. وقال أيضا ان الفساد في اليمن أعاق حركة التنمية الاقتصادية وان اليمن لن يزدهر في ظل وجود هذه الآفة.
كما لم ينس أحد اللهجة الحادة التي خاطب بها ولفنسون العام الماضي الحكومة اليمنية بالقول: "اذا وصلتم إلى الهاوية فلا تنتظروا من أحد أن يمد يده لمساعدتكم ".. هذا الرجل يجب ان يقدم للمقرضين والضامنين الأسباب التي دفعته إلى قول ذلك وأمام الشعب اليمني، ففي لندن لن تمنح الدول المقرضة والضامنة “ إكرامية “ للنظام في اليمن على فشله وأكاذيبه بالإصلاح وخلقه للأعذار التي يقدمها باستمرار عن فقدانه للسيطرة على الفساد، بل ستناقشه عن ضمانات حقيقية وملموسة لاستمرار تدفق القروض وتشجيع رؤوس الأموال الخليجية والعربية والأجنبية، خاصة وأن من سيرأس الوفد اليمني (الأستاذ عبد القادر بإجمال) هو ماكينة كلام متحركة وتعمل بالطاقة الشمسية أي لا يكلف الدولة كهرباء، رجل يتحدث كثيرا ويحاول أن يقنع من حوله أنه فاهم في كل شيء، وهو لا يفقه إلا في خلق المبررات للتغطية على جرائم فساد واضحة، وإن كان الأستاذ عبد القادر باجمال يعلم أنه ليس فوق القانون وأنه شخصية اعتبارية يجب محاسبتها ومحاكمتها للجرائم الاقتصادية التي دمرت التنمية في البلاد في عهده وبصلاحيات مطلقة من “ القديس “ الرئيس علي عبد الله صالح لما قال في حواره مع صحيفة “ الأيام “ إن ما أثير حول صفقة دبي هي “ شوشرة “، ومضى يقول انه تلقى أربعة خيارات من دبي لإعادة التفاوض، وأنه وجد أن هناك خياراً واحداً جديراً بالتفاوض حوله، بمعنى أن هناك ثلاثة خيارات تم رفضها ومستحيل التفاوض حولها، كما أن إرسال الحكومة لدبي بتحسين العرض هو اعتراف كبير بأن الاتفاقية التي وافق عليها باجمال ومجلس وزراؤه في وقت سابق وأحيلت إلى البرلمان للمصادقة لتمريرها لم توقفها إلا تلك “ الشوشرة “ التي أشار إليها رئيس الوزراء، فشوشرتنا على هذه الصفقة لدى البنك الدولي كجهة مانحة، وشوشرتنا على فضح فساد الصفقة لدى المفوضية الأوربية والإدارة الأمريكية التي سلمتها شخصيا ملفا متكاملا عن هذه الفضيحة التي يسميها رئيس وزراء دولتنا “بشوشرة “، انتهت بوقف الاتفاقية حتى قبل أن يناقشها البرلمان بعد حملة إعلامية ساهمت فيها أقلام شريفة وصحف حريصة على عدم التفريط بالمرافق السيادية التي يمكن أن تكون منافسة وتدر ربحا يوازي إيرادات النفط ولكنه لا ينضب.. ولهذا سأستمر في شوشرتي لدى المؤسسات والدول المانحة وقبل مؤتمر لندن إن شاء الله وبالأدلة والوثائق لكشف المزيد من الفساد الحكومي الذي لن يتوقف إلا بعد إحالة قائمة من كبار الفاسدين إلى القضاء، واستعادة الأموال المنهوبة، فلا يوجد شيء اسمه “ عفا الله عن من سرق “، فالقصور التي بنيت والأموال المكدسة في البنوك هي أموال شعب يفقر وأجيال ينتظرها المجهول، وهذه أمانة في أعناقنا كأبناء لهذا البلد وكأصحاب رسالة مهنية شريفة لن نساوم بها، ولهذا لن نصمت و سنظل “ نشوشر “ وغيري من المخلصين والغيورين على هذا الوطن لدى المؤسسات والدول المانحة ليعلموا كيف يتم إهدار مقدرات هذا الشعب تحت ستار الاستثمار وتشجيعه، بدءاً من اتفاقية “ الأربع ورقات “ التي وقعها محافظ حضرموت العميد عبد القادر هلال مع عبد الله بقشان، والتي تتنازل الدولة بموجبها عن 70 كيلومتراً يستثمرها بقشان بدون ان تحصل الدولة على فلس واحد كعائد لخزينتها كما هو مدون في تلك الاتفاقية الهزيلة، وكذا منح مجموعة هائل سعيد انعم رصيفاً كاملاً في ميناء سيادي (ميناء عدن) وبدون مقابل وتمليكه للمجموعة لمدة مائة عام وبتوقيع رئيس الوزراء الذي سيقدم ضمانات من اجل قروض وديون جديدة، هذه “ الشوشرة “ يجب أن يعرفها العالم في مؤتمر لندن للدول المانحة إن هذه الحكومة التي تقف أمامهم مقابلة “ وجها لوجه “ للتحدث نيابة عن الشعب هي من نهبته وهي من أفقرته وهي من بدد بثروته، وهذه الحكومة لا مانع لديها من تقديم ضمانات على أفعال هي أنتجتها بسياستها.. فكفى ضحكاً على العالم وعلى الشعب وعلى أنفسكم.
أعتقد أنه آن الأوان أن تعلم الدول المانحة (القارضة والضامنة) أن الضمانات المكتوبة على الورق أسهل شيء تفعله الحكومة في اليمن، وصدق المثل القائل: “ قالوا للحرامي إحلف قال جانا الفرج “، ويجب أن يتأكدوا من الآن أنهم يساهمون أيضا في إفقار هذا الشعب عبر توريط الأجيال القادمة بديون مثقلة لعمل مشاريع سريعة وبدون دراسات جدوى اقتصادية، والهدف منها إحراق مراحل 28 عاما من الفشل ي سبع سنوات.. يريدون خلالها سكة حديد ليفرحوا بحلمهم كما يفرح الأطفال عندما تأخذهم إلى قطارات حديقة “ ديزني لاند “، ولم يسأل احد من المسؤلين الرئيس وهو صاحب المقترح من أين ستأتي بالطاقة لتسيير القطار وكبرى مدن الجمهورية بينها العاصمة لا تنعم لا بكهرباء ولا بماء على مدار الساعة..؟! لم يقل أحد من الوزراء بمن فيهم رئيس الوزراء الذي سيفاوض باسم الشعب أمام الدول المانحة: من هو المواطن الذي سيكون لديه قيمة تذكرة لركوب القطار وهو لا يملك قوت أولاده؟! ولم يتحدث أحد للرئيس منتقدا حلمه بمفاعل نووي لتوليد الطاقة في بلد لا يزال للفوانيس فيه سوق وشعبه يعيش على المساعدات والقروض.
فكما بدأ الرئيس حديثه بمفاجأة في عدن أمس بإصدار أوامره بخفض الأسعار، اختتمه اليوم بفاجعة في حضرموت عندما أعلن أن الدولة لن تكون مسؤولة بعد اليوم عن كل شيء في البلاد، وأن اعتماد المواطن كما كان في السابق في الأنظمة الشمولية قد ولى.. ولكن من يبلغ الرئيس: أي نظام هو القائم في اليمن الآن؟! وأين هي مؤسساته؟! وأي مستثمرين سيشيدون الكهرباء وسيحلون المياه وسيقيمون المشاريع في بلد لا يعرف حتى رئيسه هوية النظام الذي يحكمه؟ وللأسف الشديد من 28 عاماً وستلحقها 7 سنوات عجاف.. ولكن ماذا لو مات علي؟!
* صحافي وكاتب بريطاني – يمني مقيم في لندن
[email protected]