فرحة الانفصال وأحزانه

فرحة الانفصال وأحزانه

ثريا منقوش
بكى سلطان قبيلة: الدنكا في جنوب السودان وهو يتحدث مع مراسل "الجزيرة" عن انفصال جنوب السودان، فليس من السهل تقبل فكرة تقسيم السودان، لكنها هي سياسة الحكام الفاشلين. كان يمكن تجنب هذا الحدث المؤلم، لو أن حكام السودان تصرفوا بحكمة ومسؤولية تجاه مواطنيهم في أي مكان، ولم يعتبروهم رعايا أو عبيداً، وأستغفر الله على هذه الكلمة، فزمن العبودية قد ولى، ونحن في زمن المساواة المطلقة بين البشر لا فرق بين أبيض وأسود، ولا بين ذكر وأنثى.
الحكام بتصرفاتهم يدفعون المظلومين دفعاً لينتفضوا ويقولوا للظلم لا، كل بطريقته، جميعهم أتت بهم قوى كانت تخطط من أزمان للسيطرة على هذه المنطقة لمكانتها الجغرافية ولثرواتها العظيمة التي ما استطاع إنسانها أن يستفيد منها، خاصة بعد أن تمكنوا منه بهذه الثلة من الحكام التي استغلت في هذه العقود الثلاثة بنهب خيرات الأرض وتزييف وعي الإنسان فما استطاع نهوضاً، وما استطاع حتى العيش كإنسان له حق العيش النظيف والكرامة بعد أن سلبوها بالقهر والظلم والتمزيق.
نعم، لقد مزقوا النسيج الاجتماعي لمجتمعاتهم بالظلم وتأليب الناس ضد بعضهم، والبشير يقول إنه حزين، وعليه ألا يحزن، بل عليه أن يرمي بنفسه في النيل قبل أن يأتي من يرميه وقبل أن يتشظى السودان، وإن أراد أن يكفر عما ارتكبه بحق السودان فعليه أولاً أن يعيد ما نهبه من خيرات أرضهم لهم، حين كانوا مغلوبين على أمرهم بحكام مرضى، وإلا كيف يعقل أن يقتل عاقل أناساً من دون ذنب، سوى أنهم يريدون أن يعيشوا بلقمة عيش كريمة. و"الرمز" كما يسمون أنفسهم، يريد أن يقتلهم ليبقى هو إلى الأبد على حساب الفقراء والمساكين والمنسحقين وبطريقته، يريد أن يثبت الوحدة بين الشمال والجنوب وهو يقتل الشعب الجنوبي، وهو يسرق خيرات أرض الجنوب، ويقتل شعبه جوعاً وتحت المجنزرات. وكذلك يفعلون في دارفور وغيرها من مناطق السودان. عليهم الآن أن يواجهوا مصيرهم المحكمة الدولية أو المحاكم الشعبية التي ستشكل لمحاسبتهم، وماذا بعدهم محكمة القوي الجبار، وماذا سيقولون حين يقفون أمامه؟ كنا نثبت حكمنا العضوض، كنا نجوع الناس ليتبعونا، كنا نسرق خيرات أوطاننا لنوصلها لأعداء الإنسان والله، كنا نخالف ما أمرتنا به من إطعام الإنسان وتأمين خوف الناس من أوطانهم، فجوعناهم وأرهبناهم لأننا كنا نناصر القضية الفلسطينية؛ قميص عثمان المهترئ، يا له من عذر أقبح من ذنب. القضية الفلسطينية وبيت المقدس له رب يحميه، وليس أمامكم سوى أن تعترفوا بما اقترفتموه في حق شعوبكم، وتعتذروا، ثم تعيدوا ما سرقتموه ونهبتموه إلى الشعوب المغلوبة على أمرها حين أعانكم على ذلك أفاكون محليون ودوليون.
يخطئ من يعتقد أنه سينهب ويقتل دون عقاب. صحيح قد يصفق الناس له فترة حين هم يجهلون، أما حين تتكشف الحقائق، فحتماً سيعلمون مدى الكذب والزيف والخداع والإفك والتزوير والسرقة والنهب والتجهيل والظلم المرتفع سقفه الذي كان يمارس ضدهم، وحتماً ستكون النهاية مشينة.
وليس أمام البشير وغيره من حكام الوطن العربي سوى أن يسلموا أنفسهم لعدالة الأرض، لعل العقاب والجزاء يخفف عنهم عقاب السماء، وما ينتظرهم عند رب العالمين حين يسيرون في ظلمات لا نهاية لها، أوليس الظلم ظلمات يوم القيامة؟ لن ينفعهم يومئذ ولا الآن المنافقون وبطانة السوء والأجهزة المهولة التي تحيط بهم.
البشير الذي يبدي حزنه اليوم وغيره الذين سيأتي عليهم الحزن وقد لحقه مباشرة زين العابدين ورئيس الجزائر الأبدي، نقول له أين كان حزنه بالأمس وهو يقتلهم ويجوعهم. أما كانت تلك المناظر تثير في نفسه الحزن، وأطفال جياع تتخطفهم الجوارح وهم كالأشباح يزحفون على مقاعدهم فوق الصحراء الحارقة؟ ألم يكن ذلك ليثيره؟ إن حزنه جاء متأخراً، ورغم ذلك نقول له الحق ما يمكن أن تلحق في بقية أرض السودان، وقبل أن يتفتت لنلوم الغير. وهذه دعوة لكل الحكام العرب في أي مكان؛ في اليمن، في الجزائر، في ليبيا... الخ. وليترك حكامنا المشورات الشيطانية المتبادلة بينهم، فلن تنجيهم، فمن يصنع الشر لا يجني غير الريح. أما وجودكم في التاريخ فالله المستعان على ما سيسجله عليكم، حين تصبحون أحاديث وهزء الأزمنة والأجيال القادمة، وإلى أبد الآبدين.
5/1/2011