في سؤال الضراوة الاستثنائية تجاه عدن!

في سؤال الضراوة الاستثنائية تجاه عدن!

إلى العزيز قاسم داود
منصور هائل
لا زالت عمليات القمع والتنكيل والتقتيل التي تستهدف حركة الاحتجاجات والتظاهرات السلمية في عدن، تتسم بطابع استثنائي صارخ، فهي الأكثر ضراوة واستكلاباً ووحشية، وقد كان حجم وعدد ضحاياها من القتلى والجرحى في عدن يفوق بأضعاف -دون أن يعني ذلك أننا نريد مساواة الشمال بالجنوب بالقتل- من سقطوا في صنعاء وتعز وغيرهما، ما يؤشر إلى أن سلطة المركز في صنعاء تعتمد المعايير المزدوجة بسليقة مبرمجة، وتتعاطى مع حركة الرفض والتظاهر السلمي في عدن بمنطق الاستعمار الداخلي الصرف والفاضح، وهو منطق يحكم سلوك سلطة صنعاء تجاه عدن والجنوب عموماً، إذ يقوم على الغلبة، ويصدر عن ذهنية قبلية عسكرية لا ترى في الجنوب غير ساحة حرب، بل "دار حربـ"، ومسرحاً رحباً لـ"الفيد": الغنيمة.
وعلى ذلك، كانت ولا زالت عدن في حسابات وتصورات هذه الذهنية، مدى واسعاً للاستباحة وتفلت كافة نزوات وغرائز النهب والثأر والقتل الجماعي، والترويع الجماعي، والإرهاب المتغطرس المحكوم بحالة سلطة تنتعش دوماً بقطع رأس أو رأسين (فوكو)، وتتأكد من وجودها وتطمئن عبر إثارة مشاعر الذعر -حسب أبو بكر السقاف.
من هنا، كان إخضاع عدن والجنوب إلى "حكم عسكري يرقى إلى الأحكام العرفية الدائمة"، وتحويله إلى غنيمة بحجم وطن، ووطن بحجم غنيمة، والسطو على تاريخه وذاكرته وذكرياته وعلاماته بشراهة جهنمية متفاقمة ومضطردة تبعاً لمقتضيات ومعطيات الخط التصاعدي للحراك، حيث صار واضحاً أنه كلما تصاعد هذا الحراك وانتقل إلى أطوار متقدمة، سارعت السلطة إلى ممارسة أقصى درجات البطش، وعمدت إلى تحويل المهرجانات الجماهيرية الاحتجاجية إلى مهرجانات قتل جماعي ممشهد، وإذلال جماعي محفوف بالصخب.
وحتى عندما هتف الناس في عدن بالشعار الداعي لإسقاط النظام، على اعتبار أنه الأصل في كل البلايا والمصائب التي تعيشها البلاد شمالاً وجنوباً، ومن قبيل الاستجابة للواقع والإيقاع الموحد للحركة الجماهيرية الاحتجاجية التي عمت أرجاء اليمن، استنفرت السلطة كامل أدوات القتل والتنكيل الثقيلة والمتوسطة والخفيفة في عدن، وكشرت عن أنيابها الكلبية الضارية لتنهش العزل والأبرياء في عدن التي كانت ولا زالت في نظرها "دار حربـ" وخيانة، واستمرأت مواجهتها من باب الاستعلاء بأكذوبة الوحدة المسلحة، وعلى اعتبار أن تلك المواجهة تدور زوراً وبهتاناً بين وحدويين و"انفصاليين مرتدين"، مع أن كافة الوقائع والشواهد تكذب ذلك الهراء، وتقول بأن المواجهة تدور بين "جباة غزاة" ومقهورين منهوبين مسلوبين يخوضون معترك استرداد حقوقهم.
والعجيب أن الكثيرين يتعجبون من أمر التعسف الاستثنائي الذي يتفشى في ممارسات السلطة وأجهزتها القمعية حتى عندما تقوم باعتقال قيادات الحراك والاحتجاج في عدن، وتحرص على نقلهم بالمروحيات وسيارات الطوارئ إلى سجون صنعاء، رغم أن مبدأ "فرق تسد" ليس حكراً على سلطات الاحتلال الأجنبي وحدها، ورغم أن هذا الذي يحدث يستحضر صورة "الأستانة" أو عاصمة دولة الخلافة والاحتلال العثماني، أو صورة عاصمة أية دولة احتلال أجنبي حين تقوم باعتقال القادة المعارضين الوطنيين في البلد المحتل.
وسوف نختم القول بسؤال: "ترى هل نستطيع أن نصنع وطناً في معترك التضامن ضد هذه السلطة المستبدة الفاسدة..؟!