لجان ما بعد السقوط!

لجان ما بعد السقوط!

شفيع العبد
تاريخياً –ربما هكذا- أن الشعب اليمني شمالاً وجنوباً لم يتوحد منذ ثورتي سبتمبر وأكتوبر اللتين هما فعلاً ثورتان وليس ثورة واحدة كما يسوّق لذلك أصحاب "واحدية الثورة"، خلف هدف واحد، كما توحدوا خلف شعار "تحقيق الوحدة"، وإن كانت الغلبة في ذلك لأبناء الجنوب.
ومنذ إعلان الوحدة وليس تحقيقها عام 90، وهي التي "ذبحها" علي عبدالله صالح دون قبلة بخطابه العدائي تجاه الجنوب وإعلانه الحرب من منصة ميدان السبعين في 27 أبريل 94، وحصوله على فتوى شرعنت له حربه ممن يتسابقون اليوم لتغيير جلودهم والظهور بمظهر البريء الحريص على الشعب.. منذ ذلك اليوم لم يتوحد اليمنيون شمالاً وجنوباً على هدف واحد، حيث ذهب الشمال خلف شعار حق أريد به باطل "الوحدة أو الموت"، بينما تفرغ الجنوب للملمة جراحه وترتيب صفوفه، وعبّر عن قضيته التي كان ينظر إليها غالبية الشمال –كون التعميم في الأحكام دائماً ظالماً- على أنها رجس من عمل شيطان الانفصال، وإن كان لهم من مطالب فهي حقوقية لا تتجاوز إزالة الآثار السلبية للحرب، ليرتفع سقف غالبية أبناء الجنوب عالياً حد المطالبة باستعادة دولتهم التي التهمها الشقيق الأقل مساحة والأقل ثروة والأكثر كثافة سكانية، وحولهم إلى رقم هامشي لا شركاء ضحوا بدولتهم من أجل حلمهم الجميل الذي تحول إلى كابوس قض مضاجعهم وما زال.
اليوم، ومع اتساع رقعة ثورات الشباب العربية على أنغام "الشعب يريد إسقاط النظام"، يبدو المشهد اليمني شمالاً وجنوباً موحداً ومتناغماً باتجاه المطالبة بإسقاط النظام الذي يحمّلونه كل مآسيهم وأوجاعهم، تسامى الجميع فوق خلافاتهم، وهتفوا بصوت واحد، حتى الحراك السلمي الجنوبي وجد نفسه يهتف بذات الصوت ويطالب بذات الهدف، وإن لم يكن تخلى عن أهدافه، إلا أن المرحلة تتطلب توحيد الجهود وتضافرها للخلاص من هذا النظام الذي قتل الوحدة وأحالها إلى مشروع احتلال مشوّه، والأدهى من ذلك اجتهدت دوائره وما زالت للوقيعة بين أبناء اليمن شمالاً وجنوباً، والزج بهم في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، هو المستفيد الوحيد منها، لكن العمل على تفويت الفرصة –أكان مخططاً له أم لا- كان بمثابة انتصار للعقل وللحكمة.
إسقاط النظام لا يعني إسقاط صالح وأسرته فقط، بل يجب أن يشمل كل من ارتبط معه وشارك وساهم وقدم الاستشارة خلال سنوات حكمه، حتى أولئك الذين كانوا شركاءه في حربه على الجنوب، وأصحاب الفتوى الدينية التي قتلت الوحدة وأباحت قتل أبناء الجنوب واحتلال أرضهم، يجب أن يكون لهم من "الإسقاط" نصيب، حتى وإن تسابقوا على ساحات الحرية والتغيير، ورقصوا على صوت "أيوب طارش"، والتقطوا الصور التذكارية بجانب صور "جيفارا" التي تزين تلك الساحات، وإلا فلا معنى لثورة الشباب التي تعمل كثير من القوى التقليدية على الالتفاف عليها وتجييرها لمصلحتها ولمصلحة مشاريعها التي لا تقل خطورة عن نظام صالح، بل إنها ستكون نسخة مشوّهة منه.
مرحلة ما بعد إسقاط النظام تكاد تكون هي الأخطر، وبعيداً عن التحليل والتنبؤ بما ستحمله من مشاريع، كون الشارع شمالاً وجنوباً هو صاحب الحق في تقرير مصيره، أجدني مضطراً لتنبيه الجميع، وبالذات إخواننا في الحراك السلمي الجنوبي، تجاه ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لتلك المرحلة في ما يتعلق بحماية المصالح العامة والخاصة، ومنها ممتلكات ومصالح إخواننا أبناء المحافظات الشمالية التي ينظر إليها البعض كمطمع يجب الظفر به بمجرد سقوط النظام، كما أن هذا النظام لن يعدم أية وسيلة لاستخدامها، ومنها الاعتداء على مصالح المواطنين للوقيعة بينهم وبين إخوانهم، لذا حتى لا تتحول المدن لساحات لعبث العابثين وفوضى الطامعين، وبما من شأنه حماية مصالح المواطنين الذين لا علاقة لهم بالنظام، ولا ذنب لهم، يجب الإسراع بتشكيل لجان شعبية من أبناء الأحياء السكنية والمدن والقرى التي توجد بها مصالح لهؤلاء لحمايتهم وحماية مصالحهم من أي اعتداء قد يطالها في زمن انعدمت فيه المروءة كما هي الرجولة عند بعض ضعاف النفوس الذين لا يحملون أية قضية، وليس لهم هدف سوى النهب والفيد كقيمة اكتسبوها من نظام صالح!
لا تحزنوا على صالح
كتب سفاح الثورة الفرنسية "روبسبير" على قبره ما يلي: أيها المار من هنا, لا تحزن على موتي, لأني لو كنت حيا لكنت أنت الميت.