3خطابات لنهاية واحدة

3خطابات لنهاية واحدة

سقوط دكتاتور آخر
وليد البكس
لم يتنح طواعية. لكنه قسرا سقط.هكذا أخبرتنا هالة المصريين المحتجين في طول مصر وعرضها. سقط نظام حسني مبارك الرجل الثمانيني في ثورة بيضاء، خطط لها وقادها شباب مصر في 18يوما. وفي ميدان التحرير وسط القاهرة أطبق الشباب المتحمس قبضته حول نظام بوليسي تفتيشي صرف، عانوا منه طويلا و يتحدثون: كان يجب أن يزول. فتحقق ما ذهب إصرارهم إليه. تجاوز عمر نظام مبارك 30 سنة بقليل.وكما سجل التأريخ ثلاثة عقود من القمع والقهر والفساد كوت ما يزيد عن80 مليون مصري؛ فإن تاريخ ميلاد مصر الجديد لن يتوانى عن تكريم شهداء الثورة. من عطروها بالدم. إذ تقول المعلومات الواردة، أن عددهم يتجاوز 300 شهيد وأغلبهم من الشباب. لن نبتهج أو نبالغ بالفرح. سنقيم مسيرة كبيرة في ميدان التحرير: ميدان الشهداء وستكون صامتة. قال للجزيرة الناطق باسم شباب الثورة وائل غنيم ستكون مراسيم حداد تليق بهم. مابين ال 23 من يناير 2011 و11 فبراير من هذا العام المجيد زرعت الثورة المصرية بذورها وما لبثت أن تزهر في مساء سيناء والقاهرة وسوهاج و الاسماعلية والمنيا والدهقلية والمنوفية وصعيد مصر الطاهرة. مساء الخميس 10-2 تسمر العالم أمام اجتماع مجلس قيادة الجيش المصري، كان هذا الخبر الأبرز منذ منتصف الأسبوع، وتسابقت قنوات التلفزة لإعلان البيان رقم واحد. تبعه صباح الجمعة البيان رقم اثنان " إننا مع مطالب الشعب وسنحمي مكتسبات الثورة" قال الناطق باسم مجلس قيادة الجيش. بلا شك لم يطل علينا ذلك الضابط الذي اعتدنا عليه متجهما كئيباً يعلن حالات الطوارئ عبر شاشة التلفزيون الرسمي للنظام .لكن العالم رأى بأن الحل ما يزال يكمن في يد الجيش المصري وقيادته التي أعلنت اجتماعها بشكل دائم. في الإطار انتزع مجموعة من ضباط الجيش اللحظة. تخلوا عن بزتهم العسكرية وأكدوا انضمامهم للشارع المصري الذي يواصل صيحاته " الشعب يريد إسقاط النظام"، ويطالب برحيل مبارك ونائبة سليمان.
 تساقطت ساعات فرحنا آخذة في مسارها نحو ثورة تتشكل  بالشباب، لتصبح في نهاية المطاف ثورة الشعب. نترقب ما الذي سيحمله خطاب آخر لمحمد حسني مبارك و في مساء الأخير- حد قول البعض- من على كرسي الرئاسة. الكرسي الذي لطالما ظل صاحبه متشبثا به طيلة عقود يخون الخصوم ويهادن الأصدقاء وعبر أجهزة إدارة دولته البوليسية المفزعة من الأمن والشرطة ممن كان يصورهم مخبرين وشياطين. ينفذون مهام النظام في السر والعلن. شواهد كثيرة تخللت تظاهرة الشباب المصري وسط ميدان التحرير. مابين الهجوم عليهم منتصف الليل لترويعهم وتقتيلهم بالرصاص الحي وقنابل المولوتوف الملتهبة مرورا بحوادث الدهس المقصود بالعربات العسكرية والسيارات، وانتهاء بموقعة الجمال والخيول التي حدثت وسط الميدان نهارا. كل هذه الانتهاكات وغيرها كانت كفيلة بتقديم صورة النظام الحقيقية.
 منذ فترة حكمه الأولى دشن مبارك مراحل الجحيم المتعدد ضد عشرات المناوئين لنظامه من صحافيين وسياسيين، رافضا القبول بالتنوع تارة وأخرى مخوفا الاقتراب من كرسي الحكم. كسب مبارك عدة جولات من مواجهة خاضها مع الإخوان المسلمين في مصر. كما نجا من عدد من محاولات اغتيال أبرزها ربما تلك التي استهدفت موكبه في إثيوبيا العام 1995،أما المحاولة الثانية فكانت نهاية التسعينيات في مدينة بور سعيد وتحديدا في 25-8-1999.كل ذلك عزز من تصدره المشهد وفي دولة تعد قلب منطقة الشرق الأوسط. على هذا النحو استمر مبارك يشعر الأنظمة الدولية وفي مقدمتها العالم العربي، أنه الرجل الأول، أجاد لعب دور الرجل المحور، بقي في السياسة يخلط الأوراق وفي الاقتصاد يحصد الثروة حتى قالت وكالات الأنباء الصحافية العالمية: إن غلة عائلة الرئيس المصري تتراوح ما بين 70-40 مليار دولار، فيما تتسارع بالتزايد معدلات البطالة والفقر من عام لآخر كادا يفتكان بالشعب المصري حتى تدافع المصريون يسبقهم الشباب إلى شوارع مدنهم في 25/1، معبرين عن رفضهم لنظام حسني مبارك. لم يصمت خلالها الرئيس المخلوع. قدمسلسلة من الإجراءات حاول ترميم نظامه المتهالك الذي لم يبلغ الرشد منذ ولد في أكتوبر 1981.لكن جميعها ماتت قبل أن تولد بالنسبة لرغبات وطموح الشعب المصري. أهمها الإعلان عن عدم نيته توريث الحكم لأبنه جمال، وتعيين نائب للرئيس هو عمر سليمان، أيضا قوبل بالرفض المبكر، إقالة بعض الوزراء وتعيين غيرهم ،وهذا لم يخفف من وطأة هبة الاحتجاجات المطالبة مباشرة بسقوط النظام ورحيل مبارك. كما وأن 5 خطابات تناوب على قراءتها الرئيس القديم ونائبه الجديد لم تكن كافية؛ بإعادة ملايين المحتجين إلي منازلهم.وعلى الرغم أنها تضمنت رسائل خاطبت الشعب مباشرة في الخطاب الأول لمبارك لكنه لم يتجنب مسحة النظام المتعجرف. ألم يتناوب الرئيس نفسه كرسي الرئاسة أربع مرات كما يقال باستفتاء من الشعب، وفي المرة الخامسة أيضا في 2005 صعد مجددا في أول انتخابات رئاسية تعددية تشهدها مصرية،لا يمكن لهذا البطل المتفرد ان يرضخ للشعب.
ومجددا يناور مبارك في خطاب ثان في لغة جديدة بدت مثقلة بمطالب شاقة؛إلا من تعزية أسر شهداء الثورة والترحم على أرواحهم والاعتذار عن تصدير البلطجية.ليتجنبها الشارع المتعطش للحرية، وتلامس مشاعر بعض  المصرين،"الإخوة المواطنون أتحدث إليكم في أوقات صعبة،تمتحن مصر وشعبها وتكاد أن تنجرف بهم وبها إلى المجهولـ"قال مبارك وردد إلاعلام الرسمي مادحا جدية الريس.فلم يكن للاثنين ما تمنوه.لأنه ببساطة حينما تنشأ30سنة للنظام حائط فولاذي منيع بين الرئيس ومواطنيه، حتى البكاء في الواجهة لم يعد يجدي،أولو كان  الحديث من القلب إلى القلب؛ في استهلالة حسني مبارك في  خطابه الثالث والأخير مساء الخميس يقولـ" أتوجه إليكم من القلب إلى القلب حديث الأب لأبنائه"الآن فقط يتذكر الأب أن له أبناءبطش بهم،لكنه ما لبث أن يستعطفهم، يطلب السماحة منهم، يصغي إلي مطالبهم بإحساس مرهف.يتألم لألمهم ويسهر لصراخهم في الشوارع الأمامية والخلفية" إن دماء شهدائكم وجرحاكم لن اتوانى عن محاسبة المرتكبين وأقول لكم إنني تألمتم" قال. ويستغرق مخاطبتهم ملتزما بمطالبهم" إن التزامي لمطالبكم،وعزمي للجدية والصدق دون العودة إلى الوراء،إن مطالبكم عادلة ومطالبكم هي واردة في أي نظام سياسي، وأقول لكم لن أجد حرجا من الاستماع إليكم". ومتمسكا في حماية الدستور،متذكرا ومذكرا بشرفه المهني الذي اندلق دفعة واحدة  في الأرض والسماء"لقد كنت شابا عندما تعلمت شرف العسكرية.شهدت حروبها بهزائمها وانكساراتها واجهت الموت مرات عديدة طيارا.
لم يشفع الخطاب الثالث والأخير للرئيس محمد حسني مبارك، ولم يمض سوى ليلة إضافية في القصر. لتشهد مصر نهار الجمعة حشوداً  متدافعة طوقت القصر الرئاسي ومبنى التلفزيون وسط القاهرة بساعات متلاحقة.ليعلن التلفزيون الرسمي عن تنحي حسني مبارك عن الحكم ويسلمه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.ليكون الرئيس المصري المخلوع ونظامه،ثاني نظام دولة عربية يسقط بعد سقوط النظام التونسي ورحيل رئيسه المخلوع زين العابدين بن علي، في أقل من شهر.
[email protected]