الأنظمة على أشكالها... تقع!

الأنظمة على أشكالها... تقع!

*سامي غالب 
الأنظمة على أشكالها تقع! 
والسلاح السحري للديكتاتوريات العربية في خريفها المستدام هو «الأمن».
في العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين دخلت الجمهوريات في العالم العربي طور عصابات أمنية وعسكرية عائلية يتزعمها جنرالات في أرذل العمر.
عندما اسقط «شعب أبي القاسم الشابي» حكم زين العابدين بن علي منتصف يناير الماضي، اتجهت الأنظار إلى مصر واليمن. المبليتين بنظامين لايختلفان كثيراً عن النموذج التونسي.
في الجمهوريات الثلاث حكام عسكريون قفزوا إلى كراسيهم في حقبة أفول المشاريع التحديثية في العالم العربي في عقدي السبعينات والثمانينات.
ثلاثتهم حولوا مؤسسات بلدانهم ومواردها إلى وسائل لتأمين كراسيهم. وهم اعتمدوا أساليب متشابهة لتسويغ استمراريتهم في الحكم، أحدها إحداث تعديلات دورية على دساتير بلدانهم.
في سيرورة عمليات خطف بلدانهم ومستقبل مجتمعاتهم، أداروا علاقات غير متكافئة بالغرب المنافق، قوامها تأمين بقائهم، وسلالاتهم، في الحكم مقابل تسهيلات أمنية وعسكرية وصفقات اقتصادية والانخراط في محاور اقليمية تخدم الاستراتيجيات الاميركية والأوروبية في المنطقة. كذلك حازوا خلال العقدين الماضيين على مباركات الفاعلين الدوليين فتم تسويق النظام التونسي اقتصادياً، والنظام المصري كفاعل استراتيجي يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة، والنظام اليمني باعتبار رياديته في الانخراط في عالم الديمقراطيات الناشئة.
وإلى الأداتين الأمنية والعسكرية، اعتمد الجنرالات الثلاثة على أداة سياسية حزبية فضفاضة لتخوض انتخابات برلمانية ورئاسية شكلية وقبلوية الأحكام لتأمين أغلبية ساحقة داخل برلمانات تحترف المباركة لصانعها. هذه الأداة الحزبية تنتسب زوراً إلى زمرة الاحزاب الغالبة في بلدان ديمقراطية كحزب المؤتمر الهندي (بزعامة نهرو) في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات وحزب المؤتمر الوطني في جنوب أفريقيا (بزعامة نلسون مانديلا) بعد إنهاء حقبة الحكم العنصري مطلع التسعينات. شتان بين أحزاب تصنع زعامات وتحولات، وأحزاب يصنعها جنرالات لتكون واجهات تجميلية لأنظمتهم القمعية.
بالأمن وحده يحكم الجنرالات. به ينكلون بدعاة التغيير والحزبيين والصحفيين والناشطين الحقوقيين والمدنيين، وبه يسومون مواطنيهم شتى صنوف القهر والإذلال.
وبالأمن وحده يلوح الجنرالات متى هبت رياح التغيير. أمن مجتمعاتهم وجيرانهم يصير ساعة الحقيقة رهناً ببقائهم هم في كراسيهم ومن بعدهم أنجالهم وأصهارهم.
هذه المعادلة الوهمية أبطلها الشعب التونسي، ففي ظرف أسابيع اندحرت أعتى مؤسسة أمنية في المنطقة أمام جموع شعبية خرجت إلى الشوارع تطلب الحياة، وهي في طور الاندحار في مصر، وسيُعد الرهان عليها في اليمن ضرباً من العناد.