مشكلة تلوث الهواء في العاصمة صنعاء - سميرة وافي

بدأت مشكلة تلوث الهواء تظهر بشكل فعلي وجدي بعد الحرب العالمية الثانية وظهور البترول وما تلاه من ثورة صناعية ورخاء اقتصادي. فقد انتشرت المصانع المختلفة التي تعمل على الفحم والبترول كما انتشرت السيارات وآليات النقل المختلفة مما أدى إلى ارتفاع حاد في نسبة الملوثات الهوائية وذرات الغبار في الجو. وقد انصب اهتمام الناس على التطور الصناعي والاقتصادي بدون النظر إلى أبعاده البيئية وهو ما أودى بحياة الكثيرين. وتضخم التلوث فقد ارتفعت نسبة ثاني اكسيد الكربون من (0.29 ٪_) نهاية القرن الماضي إلى (0.033 ٪_) ولهذه الزيادة اثار مسيئة جداً على التوازن البيئي حيث تقدر خسارة العالم سنوياً ب (5000) مليون دولار بسبب تأثير الهواء الملوث على المحاصيل والنباتات الزراعية اضافة إلى الآثار الصحية المترتبة كأمراض الجهاز التنفسي والعيون وبعض انواع السرطان وآثار ضارة على الجهاز العصبي وتشوهات خلقية تتوارث إن لم تسبب الموت.
لقد بات هذا التلوث يؤرق كثيراً من المهتمين والباحثين، ورغم ذلك فالدراسات عن مشكلة تلوث هواء صنعاء نادرة لأن القضية لم تجد اهتماماً كبيراً من قبل الجهات ذات العلاقة. لكن هناك تقريراً عن تلوث الهواء في صنعاء: اسبابه ومخاطره ومقترحات لعلاجه، اعده الدكتور فريد شعبان من كلية الهندسة والعمارة في الجامعة الامريكية ببيروت، بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة للبيئة بعد مهمته الاستشارية إلى الهيئة العامة لحماية البيئة ووزارة المياه والبيئة. وتضمن التقرير واقع البيئة وتأثير الملوثات الهوائية واستعراضاً للتجربة اللبنانية.
كما أشار التقرير إلى أن التلوث الذي يعاني منه سكان العاصمة مصدره بشكل رئيس قطاع النقل بالإضافة إلى مصادر الطاقة الكهربائية العائدة للقطاعين العام والخاص, والكسارات ومناشير الاحجار المنتشرة حول العاصمة. كذلك فإن الطبيعة الجرداء للجبال المحيطة وتفتيت التربة يؤدي إلى انتقال الغبار إلى العاصمة كما ان وسائل النقل بانواعها داخل امانة العاصمة شهدت تطوراً وازدياداً ملحوظاً خلال العقدين الماضيين ترافق مع النمو السكاني داخل المدينة. ويتألف قطاع النقل حالياً حسب احصائيات إدارة مرور العاصمة من (90) ألف سيارة صغيرة خاصة و33 ألف سيار] أجرة صغيرة و(70) ألف باص للنقل العام. يضاف إلى هذه الارقام سيارات ذات تسجيل مختلف كسيارات القطاعات الحكومية والعسكرية والدبلوماسية وغيرها ويبلغ مجموع السيارات العام (250) ألف سيارة. اما استخدام الديزل فهو يتوزع على (2853) سيارة اجرة و (2619) باصاً للنقل و(942) سيارة صغيرة خاصة فيكون المجموع الرسمي 6413 آلية يضاف إليها عدد كبير من السيارات والآليات التي تم تحويلها بشكل غير قانوني أو لم يتم تسجيلها.
وعن قطاع الطاقة قال التقرير إنه تتواجد في الامانة خمس محطات لإنتاج الطاقة الكهربائية، إثنتان منها في منطقة ذهبان في شمال المدينة، وواحدة في القاع، وإثنتان في منطقة حزيز. أما المحطات والمولدات العائدة للقطاع الخاص والمؤسسات الصناعية فيصعب تحديدها بشكل واضح لكن التقديرات الرسمية تقول إنها تصل إلى 70 ميجاوات، وهي بشكل عام تعمل على مادة الديزل التي تعتبر الاكثر استهلاكاً في مختلف القطاعات الاقتصادية ويبلغ استهلاك العاصمة من الديزل حسب الاحصائيات الرسمية ايضاً 29 الف طن شهرياً. ويضع التقرير تقييماً لحالة التلوث فيقول ان المدينة تعاني من حالة تلوث حيث ان نسبة كثافة الملوثات تزيد عن المعايير العالمية حسب التقديرات الاولية مع الاخذ بعين الاعتبار كمية الملوثات الصادرة والمساحة التقريبية لمناطق الازدحام. ومن اسباب الوضع الدقيق الذي تعانيه العاصمة بموقعها الجغرافي حيث ان الجبال المحيطة تمنع تشتت الملوثات والطبقة الجرداء للجبال والتي تشكل بحد ذاتها مصدراً للغبار تهب على العاصمة لتزيد من حالة التلوث. إضافة إلى التزايد الملحوظ في عدد السكان والسيارات على مدى السنين؛ الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم المشاكل خلال فترة قصيرة.
وحدد التقرير جملة من المقترحات للمعالجة قائلاً إن هناك عدة خيارات تقنية إدارية وتشريعية يمكن اعتمادها للحد من الانبعاثات الصادرة عن قطاع النقل وخاصة الجزئيات والكبريت والرصاص, مثل: إدخال تقنيات الغاز الطبيعي المضغوط والغاز المسال وتشجيع البنزين الخالي من الرصاص بسعر تفاضلي وتحسين نوعية الديزل المستعمل، اضافة إلى نقل مراكز الكسارات ومناشير الاحجار الى مناطق بعيدة نسبياً بحيث لا يصل الغبار والملوثات الصادرة عنها إلى سماء العاصمة وكذلك القيام بحملة تشجير على التلال الواقعة ضمن نطاق العاصمة وعلى الجبال المحيطة بها وخفض الانبعاثات الصادرة عن مراكز جمع النفايات عن طريق تحقيق ادارة سليمة لجمع ومعالجة النفايات الصلبة والسائلة وتحضير برامج وطنية لتوعية المواطنين واصحاب القرار بمخاطر تلوث الهواء وانعكاسه على صحة المواطن والاقتصاد الوطني.