مع تفشي الامراض وأسبابها في الحيمة الخارجية: النعش لإسعاف المرضى... والمشاريع المتعثرة من يسعفها؟!

مع تفشي الامراض وأسبابها في الحيمة الخارجية: النعش لإسعاف المرضى... والمشاريع المتعثرة من يسعفها؟!

- علي الضبيبي

ما إن تدلف الى سوق «سبت بني بجير» في الحيمة الخارجية، حتى يستقبلك البؤس قبل أن تحط رحالك تحت سقف إحدى العشش المتواضعة التي يسمونها بيوت، قد تستغرب لمفارقات عجيبة تشاهدها هناك في كل شيء تقريباً: مبان، بيوت، سيارات، ناس.
 مبنيين، ومسجد، يجمعها حوش دائري كبير يطلق عليه المواطنون: «كلية». وقبل ان تصدق، عليك ان تستفسر لأن المباني لا تترجم حقيقة الاسم الى واقع، رغم الهدف من تشييدها لذلك، المبنى الكبير ذو الطوابق الأربعة، عبارة عن سكن للكلية، والآخر ذو الثلاثة قاعات، وغرف أخرى موزعة على البوابات وداخل السور الكبير. لكن لا شيء يدرس فيها ولا أحد يسكن سوى حارس، ومسجد يرتاده أهل القرية.
المشروع وضع حجر اساسه في منتصف التسعينيات واستكمل بناؤه في 98م تقريباً معهداً لاعداد المعلمين، تمهيداً لأن يكون كلية تستفيد منها المنطقة، حسب ما أكده لـ«النداء» لا هذا ولا ذاك كان، فلا أصحاب الارض استفادوا من تبرعهم للصالح العام ولا المشروع أصبح فرعاً لكلية التربية جامعة صنعاء، ولا حتى بقايا معهد عالي، فقط كالاطرش في الزفة، يقبع سنوات رهينة حوش دائري يطوقه كالقيد فلا هو استطاع الهروب من سجنه هذا، ولا البيوتات الصغرة التي تتقزم خارج سوره استطاعت الاقتحام والاستفادة من قاعاته وغرفه ومطابخه الكثيرة، وحدها الدواب والكلاب رأيناها تتلاحق وتتقافز فرحاً في فنائه الداخلي مخلفة وراءها غباراً ونهيقاً لا يتوقف.
المواطنون الذين عقدت الأمية ألسنة الكثير منهم: شباب، نساء، شيوخ، قالوا انهم ضحية شجار سياسي على المبنى بين الاصلاح والمؤتمر يريد الأول ان يكون كلية للتربية والثاني يريده معهداً مهنياً، ما أدى توقيفه، آخرون قالوا ان السبب الحكومة حيث لاتريد ان يكون هناك فرعاً لكلية التربية كونالمنطقة أغلبها معارضة، وأسباب كثيرة قد لاتستطيع الجزم فيها، غير سبب واحد هو الفساد الذي يعبث بممتلكات ومقدرات وطن بأكمله.
وعلى الجهة الأمامية للمبنى الاخرس، يوجد مبنى حكومي آخر «مستوصف صحي»، هو الآخر ليس كذلك، بل أصبح «فيللا» لمديره الذي يسكنه وعائلته منذ أعوام، ولايوجد بداخله سوى علبة «مُعقم» لتطهير الجروح، كما يقول الاهالي، رغم ان المرض يستبد بالكثير منهم بانواع متعددة وصور شتى، بدءاً بالملاريا، والتيفوئيد، وانتهاء باحجار وترسبات داخل الكلى والمثانة.
وعلى بعد (300) متر تقريباً مكتب زراعي قديم المنشأ يسكنه مديره ايضاً وينتفع به، دون ان يعرف المواطن والمزارع وحتى المدير مهمته التي لايمارس شيئاً منها، إذ هو فرعاً لمكتب الزراعة والري لمنطقة «بني منصور» - صنعاء، كما يقول المهندس عبد الكريم محمد الكبسي مدير المجمع يتبعه (12) مركزاً ارشادياً زراعياً في خمس مديريات (الحيمتين، بني مطر، حراز، وصعفان) كمراكز زراعية مهمتها تقديم خدمات ارشادية للمزارعين وحل المشاكل التي يصعب على المزارع حلها ويعتبر مجمع بني منصور المركز الرئيس لها.
كاميرا «النداء» زارت المكان فوجدت فيه حوشاً كبيراً يضم خمس فيلل سكنية بيضاء وإدارة مستقلة كتحفة صينية جميلة، ومواطنين يتكئون على جدارها ويمضغون القات تحت ظلالها، ومدير لا تخرج منه بإجابة سوى شكواه من قلة الامكانيات والميزانية التشغيلية للمجمع، وان الفلل الخمس يسكنها اخصائيو المواد.
مزارعون سألناهم عن خدمات ذلك المجمع ومراكزه الموزعة في المديريات الخمس فكانت الاجابة ضحكات ساخرة.
عودة الى عزلة «بني بجير» حيث قرى كثيرة تتوزع رأس جبل «عانز» الاصم لم نشاهدها نحن للاسف حيث لا طريق تستطيع السيارة ارتيادها للوصول الى القمة، فطريق شقت في صدر الجبل وكادت تقطع الثلثين منه غير انها تعثرت على بعد مسافات من القرى دون ان تستوي بشكل تام، وتوقفت قبل سنوات في أواخر عهد امين المجلس المحلي السابق غالب السعيدي، كما يقول الحاج غالب ناصر، لتظل اكثر من عشر قرى ترقب خط صنعاء- الحديدة، الاسفلتي، من علو مرتفع على مرمى حجر، اذ يعتبر النعش وسيلة وحيدة لاسعاف مرضاهم، واكتافهم وظهور الحمير هي الأخرى الوحيدة لنقل الحديد والاسمنت، والبر، والماء، وسائر المصروفات من السوق الى البيوت.
استبعدنا ان يكون هذا الوضع بهذه الصورة حين سمعنا ذلك بدون ان نرى بؤم اعيننا، غير ان مواطن مازالت احذيته مقطعة وصل للتو مسعفاً زوجته التي لا تقوى على المشي حيث حملها على ظهر دابته وربطها بغترته، خشية ان تسقط في الطريق الوعرة اثناء تقافز الراحلة في منحنيات والتواءات الطريق وحيودها.
ماء البرك والغيول تلحظها على اسنان الناس صغاراً وكباراً هناك فضلاً عن الامراض الباطنية التي تسببها تلك المياه الراكدة والملوثة داخل عشرات البرك القديمة -الخزانات الوحيدة للماء- منذ عهد ما قبل قبل الثورة.
في سوق السبت يوجد خزان حديدي كبير للماء وسط القرية اصبح واجهة للدعاية الحزبية هو بقايا تجهيزات مشروع مياه قبل سنوات تعثر دون ان تدخل جوفه قطرة ماء، مع «مواسير» مياه حولتها بعض الشخصيات المتنفذة الى ملك خاص بها.
اثناء مرورنا بالطريق الرئيس باتجاه الحديدة كنا نلحظ اعمدة الكهرباء محملة بالكابلات والاسلاك مسرودة على جانبي الطريق في صورة تبعث على الغبطة والحسد دفعنا الى ان نبارك لاحد المواطنين بوصولها اليهم فحملها على محمل اخر قائلا: «والله ما يضوي لي إلا فانوسي»، واضاف: «هذه الكمبات كذب لا تسرج حتى منزل مركوزة من قبل سنوات وتزداد كل انتخابات كمبة او ثنتين».
اجمالاً غادرنا العزلة بعد ان صورنا اكثر من ستة مشاريع خدمية هامة متعثرة بعضها منذ ما يقرب من عشر سنوات، وخمسة منها في قرية واحدة.