غزوات الحاكم

غزوات الحاكم

محمد شمس الدين
بكل بساطة، ذهب الحاكم للمطالبة بتعديل الدستور مقترحا زيادة عدد مقاعد البرلمان إلى 345 مقعداً، دون اعتبار للوضع الاقتصادي المتردي الذي يمر به البلد، وغير مدرك الأسباب الحقيقية التي فاقمت الأزمات وأثقلت كاهل العامة من الناس. إصلاحات الحاكم وانتصاراته غالباً ما تضيف أعباء جديدة على الميزانية العامة التي تطالب حكومته المجتمع الدولي بدعمها.
ومع أن المادة رقم 63 من الدستور قد حددت عدد مقاعد البرلمان ب301، وحددت آلية توزيعها وفق عدد السكان، واشترطت المادة 158 إجراء استفتاء شعبي لتغيير تلك المادة، غير أن الحزب الحاكم وبأغلبيته المريحة يستطيع أن يكيف الدستور والنظام والقانون والميزانية العامة للدولة بناء على رغبة صاحب الحزب وغزواته الشخصية. مع أن المادة 63 المطلوب تعديلها هي التي حالت دون الوصول إلى اتفاق الحاكم والمعارضة حول القائمة النسبية بحجة عدم توفر الوقت الكافي لتنفيذ الاستفتاء الشعبي كما تطرح قيادات الحزب الحاكم، إلا أنها طرحت للتعديل مؤخراً لغرض زيادة عدد مقاعد البرلمان.
بعد التعديلات المقدمة من الحاكم إلى البرلمان مطلع هذا الأسبوع، فإن الجدل بين المعارضة والسلطة سيقتصر على المادة 63 من الدستور كمطلب للمعارضة للوصول إلى القائمة النسبية، والمادة 112 التي حددت منصب رئيس الجمهورية بدورتين فقط مدة كل دورة 7 سنوات، كمطلب للحاكم لفتح باب الترشيح إلى الرئاسة دون قيد بعدد الدورات. تعديل المادة 63 سيكون مرتبطاً بتعديل المادة 112 في حالة العودة إلى طاولة الحوار مع المعارضة، في حين أن بقية المواد المطروحة للتعديل من قبل الحزب الحاكم ليست إلا بهارات لتعديل المادة 112.
ولكون المعارضة والحاكم غير مهتمين بالوضع الاقتصادي المزري الذي يمر به البلد، فإن بهارات الحاكم وزيادة عدد المقاعد قد تمر في حالة التوافق أو عدمه، مع أن الطرفين على علم أن المشاكل والأزمات التي يمر بها البلد في الوقت الحالي، وتحديداً في المحافظات الجنوبية وعموم اليمن، هي نتاج للأوضاع الاقتصادية والبطالة وسوء الإدارة وضعف أداء البرلمان.
الوضع الاقتصادي الحالي بحاجة إلى تعديلات تقلص عدد أعضاء البرلمان من جانب، وكذلك تعديل المادة 64 من جانب، بحيث يكون المؤهل الجامعي شرطاً للترشح إلى البرلمان بدلاً من شرط إجادة القراءة والكتابة، وذلك لتحسين أداء المجلس، وكي يتناسب مع الوضع الاقتصادي للبلد والقضايا المطروحة على البرلمان، وعلى أن تخصص كوتا للمرأة من 301 مقعد بدلاً من زيادة عدد المقاعد إلى 345، كون زيادة المقاعد يعد ترفاً وعبثاً بالمال العام.
قد تكون الكلفة المالية ل44 عضواً في البرلمان بسيطة وتافهة عند الرئيس صالح والقيادات العليا في حزبه وبعض قادة المعارضة وأعضاء البرلمان، ولا تستحق مجرد التفكير بها طالما حققت النصر السياسي للحاكم أو التوافق بين الطرفين، أو في حالة مقارنة تلك الكلفة بالمال العام الذي يذهب للخاطفين وقطاع الطرق من خزينة الدولة كفدية، ناهيك عن مقارنتها ب120 ملياراً أنفقت في خليجي 20 التي أخرجها من سياقها وحولها إلى نصر سياسي، كاشفاً عن الهدف الرئيسي وراء إصراره على استضافة البطولات.
من غير الطبيعي إنفاق 120 ملياراً من أجل تحقيق هدف سياسي! ومن الجنون أن نتفاخر بمشاركة 21 ألف خليجي خلال فترة انعقاد البطولة بعد أن كانت مدينة عدن تستقبل مئات الآلاف سنوياً منذ تحقيق الوحدة إلى ما قبل 2007. ومن غير المنطقي والمعقول أن يقول وزير السياحة إن عائدات الاستضافة وصلت إلى 600 مليون دولار! في حين أن 500 ألف مواطن يمني يذهبون إلى مصر فقط لغرض العلاج سنوياً، دون أن يقارن هؤلاء بين ما يتم استنزافه من العملات الصعبة للعلاج خارج الوطن، وبين عائدات مشاركة 21 ألفاً، وفي أسبوعين فقط، مقابل أشهر يقضيها المرضى في الخارج! من الطيش والغباء أن يذهب الحزب الحاكم إلى رفع عدد مقاعد البرلمان في وقت يطالبه المجتمع الدولي برفع الدعم عن المشتقات النفطية لصالح المشاريع التنموية وليس لصالح الانتصارات والغزوات السياسية.
mshamsaddinMail