كابوسان

كابوسان

نعمان قائد سيف
لم أجد أية معلومة، تفيد بأن المحترم محمد إبراهيم، صاحب جائزة الحكم الرشيد في أفريقيا، قد تراجع عن مبادرته الطيبة، التي أثمرت حتى اللحظة، ترك اثنين من رؤساء القارة السمراء الحكم طواعية، لصالح منافسيهما، وسلما بالتغيير، لقاء قبض كل منهما الجائزة المرجوة، وقدرها 5 ملايين دولار أمريكي، تدفع على مدى 10 سنوات، إضافة إلى وعد آجل الدفع، تلقى بموجبه كل منهما 200 ألف دولار سنويا، خلال ما سيتبقى من عمريهما، وقد أقيم لكل منهما حفل تكريم وتوديع، يليق بمكانتهما السابقة، بمعرفة لجنة الجائزة، برئاسة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، وبحضور ضيوف كبار، وتناقلت الخبر الموثق للحدث/ الحدثين وسائل الإعلام الدولي المختلفة. وكان ولا زال الرئيسان السابقان المنسحبان سلماً (الموزمبيقي كواكيم شيسانو؛ 2007، والبوتسواني فيستوس موغاي؛ 2008) محل إشادة القوى الديمقراطية في المعمورة، وصارا مضرب الأمثال، لما يجب أن يكون عليه حكام أفريقيا في لعبة الكراسي الدوارة، وتشجيعهم على قهر نفوسهم الأمارة بالسوء، لتجنيب بلدانهم حروباً أهلية مدمرة، وليدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه!
بناء على ما تقدم، أستغرب تمسك رئيس ساحل العاج المنتهية ولايته، والمهزوم ديمقراطياً، كيف له لا ينتهز الفرصة، ويكسب الجائزة مع توابعها المغرية، على مدى ما تبقى من عمره (المديد)، بعيدا عن دوشة الحكم، وأجوائه المخيفة، وبلاده كما يعرف أكثر من غيره، مرشحة -في حالة إصراره على البقاء عنوة- باستئناف حرب أهلية توقفت قبل سنوات قليلة، وجراحها طرية لم تندمل بعد، وتحتاج من يداويها لا من يلوثها!
على ذكر كابوس ساحل العاج، ومادام الشيء بالشيء يذكر، أتمنى على مشير السودان (عمر البشير)، أن ينتهز الفرصة، في ما تبقى من الوقت، ولا زال فيه متسع، رغم ظاهر ضيقه، إذا صدقت نواياه، والبلاد/ بلاده مهددة بالتفكك، نتيجة أخطاء حكمه الفظيعة، ويقوم -مع العقلاء في السلطة والمعارضة والمجتمع- بترتيب أمر تنازله عن ولايته (الإسلامية) المشوهة، لإنقاذ سودان التعدد والتعايش، من التشرذم المنتظر والمحقق، إذا ما بقي رئيسا، والتوافق على إعلان مجلس سيادة مؤقت، يوقف التدهور الجاري، ويمهد لمرحلة جديدة من التصالح والتسامح، والإعداد لانتخابات عامة نزيهة، تفضي إلى تشكيل حكومة إعمار، تعيد بناء الوطن على قدم المساواة بين كل أنحائه، مع إعطاء اهتمام جانبي -لن يكون محل خلاف- للمناطق التي خربت خلال عقود وسنوات الحروب الأهلية المتعاقبة!
لو يفعلها البشير، سيدخل التاريخ منتصرا على نفسه بصورة استثنائية، وأظنه بحاجة لحافز مادي، يغريه بترك الحكم و(حدوده) المقززة، التي يتوعد بها خصومه القادمون، في ما سيتبقى من السودان الكبير، ولا أظن أن صاحب الجائزة أعلاه، وهو بالمناسبة سوداني مغترب، ورجل أعمال في بريطانيا، سيبخل على بلاده بفتات كرمه، لإقصاء الفاشل، وقطعا سيمنحها له عن طيب خاطر، ولا أرى مانعا -لو نفذ المقترح- أن يسمح للحاكم العسكري -كآخر مهمة رسمية له- بمنح مواطنه المدني المتبرع أعلى وسام في بلد نكب به -حتى تاريخه- وبذلك يسدل الستار، معلنا لأفريقيا والعالم، نهاية (مشرفة) لأول حكم عربي بليد!
Hide Mail