بعد الاستيلاء على بضاعته وطرده من مكان عمله

بعد الاستيلاء على بضاعته وطرده من مكان عمله

ضابط يعتدي على مواطن في إب ويصيبه بطلقة نارية في رجليه
إب - إبراهيم البعداني
نور الدين أحمد الشرفي (25 عاماً) من سكان قرية منزل الراعية (3كم غرب مدينة إب)، قرر عدم الاستسلام والبحث عن أي عمل شريف يقتات منه وأسرته المكونة من زوجته وابنتيه ووالديه وإخوته.
عمل في أعمال البناء والحمالة، لكن تلك الأعمال كانت ترهقه وتتعبه، ولم يقوَ جسده النحيل على الاستمرار فيها أو تحملها.
اهتدى إلى عمل في بيع الروتي للمسافرين من إب إلى مديرية بعدان، جوار إحدى النقاط العسكرية الواقعة في جبل بعدان.
خلال فترة عمله التي وصلت إلى حوالي عام ونصف، ربط نور الدين علاقة طيبة مع ضباط وأفراد الشرطة العسكرية الذين كان بعضهم يشجعونه على العمل ويحفزونه على عدم الاستسلام، ومن أولئك النقيب "ف.خ" الذي كان (حسب نور الدين) أول من مهد له الطريق وشجعه على العمل هناك. فكان يداوم على هذا العمل الذي أحبه ووفر له حياة كريمة، وكان يكسب منه يومياً ما يزيد عن 3 آلاف ريال.
كان نور الدين يستيقظ باكراً قاطعاً ما يزيد عن 10 كيلومترات من قريته إلى مكان عمله، حتى أصبح مألوفا عند أفراد الشرطة، واعتادوا عليه مثلما اعتاد عليه المواطنون المسافرون الذين كانوا يحرصون على شراء حصتهم من الروتي منه.
مطلع الأسبوع الماضي، وبعد عام ونصف من عمله الذي لم ينقطع عنه يوما، حدث موعد طارئ لنور الدين تمثل بأن تقرر حفل زفاف شقيقته، ولابد من حضوره. ظل يفكر وهو شارد وحيران بمن يحل مكانه لبيع الروتي.
شاهده صديقه النقيب "ف.خ" وهو في تلك الحالة، وحين سؤاله عن سبب شروده أخبره بأنه ينبغي عليه أن يحضر حفل زفاف شقيقته، ويحتاج لمن يقوم بالبيع مكانه حتى يعود. فكان رد الضابط سريعاً "سهل يا رجال لا تحمل هم، روح أحضر حفلة أختك وأنا أخلي ابني يوبه لما ترجع".
كانت سعادة نور الدين كبيرة، ولم يملك سوى الشكر والاحترام لصديقه الضابط الذي قدر ظرفه ووجد له من يحل مكانه حتى يعود، وتهيأ للمغادرة بعد أن سلم أدوات العمل وهي عبارة عن كرتون جزء منها كان يضعها في الأرض، والآخر على رأسه يقيه من حرارة الشمس، وأكياس، لنجل الضابط.
بعد أسبوع من غيابه عاد نور الدين إلى عمله وهو يحدث نفسه طوال الطريق عن الكيفية التي سيقدمها لصديقه الضابط من شكر وتقدير مقابل الجميل والمعروف الذي قدمه له.
حين وصل إلى موقع عمله توجه مباشرة إلى الضابط ليشكره ونجله ويتسلم عمله في الرصيف.. لكن المفاجأة كانت شديدة عليه حين رفض الضابط وطرده من المكان ونعته بألفاظ سيئة، متهماً إياه بالخمّار والحشاش والسارق، وسط دهشة من جميع أفراد الشرطة والمواطنين الذين تفاجأوا من تصرف الضابط، محاولين إثناءه، لكنه قابلها بالرفض والتهديد والوعيد لنور الدين إذا لم يرحل من المكان.
أثناء ما كان المواطنون يحاولون تهدئة الموقف وإقناع الضابط بتمكين نور الدين من عمله، انتفض وبالغ في طرده له حين قاله "أخرج ممنوع تبيع الروتي هنا أو في أي مكان بإبـ"، لكن نور الدين فضل ألا يدخل مع الضابط صديقه الأول في مماحكات كونه يعلم أنه لن يستطيع الوقوف أمامه أو مقاومته، مفضلاً الانتقال إلى مكان آخر يبعد عن النقطة العسكرية بحوالي 100 متر، بالقرب من دكان أحد المواطنين يدعى عبدالرحمن العرومي، وواصل العمل في بيع الروتي كعادته، ولم يتغير شيء، فلا زال السوق رائجاً ولم يتخلَّ أحد من المارة والمسافرين الذين استمروا في التعامل معه وشراء الروتي منه.. لكن هذه الحالة أغضبت النقيب الذي وجد أن بضاعته أصيبت بالكساد ولم يعد يبيع بشكل جيد. فما كان منه إلا التوجه نحو نور الدين وأنذره بالرحيل أو استخدام القوة ضده لإجباره على ذلك. لكن نور الدين رفض ذلك التهديد وأخبره أنه يبيع بعيداً عنه، وأن الرزق على الله.
لم يقبل الضابط منه ذلك مصمماً على طرده وإبعاده من المنطقة، ومعتبرا عدم امتثال نور الدين لتهديداته تحديا له، طالباً منه سرعة الرحيل بقوة السلاح، شاهرا مسدسه عليه ووضعه في صدره. لكن تدخل المواطنين وأفراد الشرطة حاولوا إبعاد الضابط عن نور الدين، ومحاولة أخذ السلاح منه الذي تمسك به.
أثناء قيام أحد المواطنين بإبعاد المسدس عن صدر نور الدين إلى الأعلى، خرجت منه طلقة نارية إلى الهواء، لكن الضابط عاد مرة أخرى يريد التصويب على نور الدين، لكن تكاتف المواطنين مكنهم من الإمساك بيده وتعارك معهم، رافضاً تسليم مسدسه، وبعد شد وجذب خرجت رصاصة ثانية اخترقت ساق نور الدين اليمنى، وألقت به على الرصيف، متأثراً من تلك الرصاصة التي فشل المواطنون في ثنيها وحبسها داخل المسدس.
ساعتذاك قام المواطنون بإسعاف المجني عليه إلى المستشفى بعد أن نزف الدماء ويستقر به الحال على سرير المرض، فيما الأجهزة الأمنية لم تحرك ساكناً عندما حاول بعض أقارب ومعارف نور الدين التواصل معها، وتحديداً مع إدارة البحث الجنائي التي اكتفت بعمل بلاغ للقضية، رافضة إلقاء القبض على الجاني.
علي ضيف الله، أحد أقارب نور الدين، الذي تولى الإبلاغ عن الحادثة، أكد أن ضابط البحث الجنائي لم يتعامل مع قضيتهم بجدية كون الجاني تربطه علاقة بنائب مدير البحث.
وأضاف: كل ما حصلنا عليه من إدارة البحث هو الوعد بأنها ستحاول العمل على ضبط الجاني، وأكد أن إدارة البحث تماطل في قضيتهم وتحاول تمييعها، خاصة عدم قيامه بإرسال ملف القضية إلى النيابة جهة الاختصاص لتزاول عملها.
حين وجد المجني عليه أنه لا فائدة ترجى من إدارة البحث، تواصل مع عدد من أقاربه وتوجهوا إلى مكتب محافظ إب، ومنهم الشيخ حسين الجهيم، والشيخ عبدالكريم الحربي، اللذين عرضوا قضيته على المحافظ الذي بدوره قام بالتواصل مع مدير أمن المحافظة بسرعة إحضار الجاني.
مدير أمن المحافظة وعند لقائه مع أقارب نور الدين، تحمس لقضيتهم موجهاً مدير مكتبه بسرعة تحرير مذكرة إلى قائد الشرطة العسكرية بسرعة إرسال الجاني، لكن تلك المذكرة لم تغادر درج مدير مكتب مدير الأمن لأسباب مجهولة.
وحسب مصادر خاصة فإنه في الوقت الذي وقفت الأجهزة الأمنية عاجزة أمام قائد الشرطة العسكرية الذي رفض تسليم الجاني إلى الجهات الأمنية، ازدادت معاناة المجني عليه، خاصة وأنه المعيل الوحيد لأسرته، واضطر لمغادرة المستشفى قبل اكتمال العلاج بسبب عدم تمكنه من دفع مصاريف المستشفى.
نور الدين الذي تحدث لـ"النداء" وهو طريح الفراش في منزله، يعاني من إصابته، فيما الجاني يسرح ويمرح أمام مرأى ومسمع من الجهات الأمنية، قال بمرارة وحرقة بالغة، متسائلاً: ماذا لو أنه هو من أطلق النار على الضابط، ماذا يكون مصيره (يضحك) والله ليشردوني أنا وأهلي. راجياً من رئيس الجمهورية ومحافظ إب إنصافه وسرعة إحالة الجاني إلى القضاء رأفة به وبعائلته، وتعويضه عما لحق به وأسرته من أضرار.