الرجل المناسب

الرجل المناسب

حسين حسن السقاف
كنت في يوم من الأيام، موظفاً في محافظة عدن، مكنتني وظيفتي من خلق علاقات واسعة مع رجالات المجتمع.
في يوم من الأيام، دعاني أحد كبار التجار إلى وليمة غداء على شرف السفير الإيراني باعتباره سفيراًً للدولة التي نفذت مشروع بناء السوق التجاري التابع لهذا التاجر.
لم يتجاوز عدد المدعوين أصابع اليدين، حضرنا قبل وجبة الغداء بقرابة ساعة، كان التاجر يتحدث برزانة ولباقة الدبلوماسي، وبحصافة التاجر، كان يبذل جهدا لإبداء بلده بصورة مشرقة، وكان المترجم ينقل الحديث إلى السفير باللغة الفارسية. كان في الجلسة شاب في مقتبل العمر، يظهر أنه في سن التخرج من الجامعة، رغم أن طريقة تفكيره لا تبدي أنه خريج، كان يتسلل بحديثه مقاطعاً المتحدثين ويختم عباراته بكلمات "أيش معك.. شعب يمني"... "ابتسم فأنت في اليمن". كان يحاول أن يظهر نفسه بأنه من شريحة راقية غير عادية، يستطيع التعامل مع الأجانب بطريقة مختلفة.. في البداية كان سعادة السفير يلتفت إلى المترجم لمعرفة ما يقوله الشاب، بيد أن المترجم لا يعير ذلك اهتماماً، أما التاجر فقد بدا ممتعضاً لتسللات هذا الشاب. بلغ بي الضيقُ مبلغاًً. خانتني حيلتي في نقل انطباعاتي للشاب - تصريحا أو تلميحاً- لإيقافه عن هذا الحديث، كنتُ أتبادل النظرات المتبرمة مع المضيف (التاجر).
بدا الشاب أنيقاً؛ كان يلبس بذلة رمادية جميلة، ويلف جيده بربطة عنق بدت متجانسة مع بدلته، غير أنها كانت تتسلل هي الأخرى لتسابقه إلى المائدة، مما جعل طرف رأس حربتها يصطبغ بدهن الإدام الذهبي.
ما كدنا ننهي غداءنا حتى هرعنا إلى الصالة التي كان بها مغسلان مصنوعان من السيراميك الإسباني، كان الشاب يجاهد لأن يغسل يديه الأول، ومن أجل ذلك كان يزاحم سعادة السفير، غير أنني هذه المرة كنت له بالمرصاد، كنت أهدفُ إلى تأخيره كي أختلي به لأطلب منه عدم تكرار ذلك الحديث، حتى إنني حاولت استفزازه بُغية استثارة حميته الوطنية. قلت له:
لقد ساءني تحاملك على اليمن وشعبه أمام السفير.. رغم أنني حضرمي... كيف يروق لك تحقير بلدك وشعبك بهذه الطريقة؟ فقال لي بسذاجة:
والحضرمي مش يمني؟.. أنت انفصالي إذن!
خشيت أن نجعل من ذلك موضوعنا، رسمت بسمة على محياي وقلت له:
يمكننا أن نتحادث بهذا الحديث الذي قلته أمام السفير، لكن في ما بيننا.. غير أننا يجب ألا نقوله أمام الأجانب.. أليس كذلك؟
عزيزي أو تدري أين يعمل ذلك الشاب؟
إنه يعمل في أعلى جهاز رسمي في البلد.. لقد شاهدته مراراً في التلفاز الرسمي...!
hhsaggafMail