المرقشي الأصيل والهندي النبيل فرانسيس

المرقشي الأصيل والهندي النبيل فرانسيس

 نجيب محمد يابلي *
في الفاتح من نوفمبر 2010، نشرت الزميلة "النداء" الموضوع الموسوم "من المرقشي إلى روح الفقيد فرنيس/ الهندي الوفي الذي كان جزيرة عطف"، للشهيد الحي بإذن الله أحمد عمر العبادي المرقشي، من خلف قضبان السجن المركزي بصنعاء. وكان الموضوع تحفة بديعة وكأن العبادي المرقشي كتبه من ضفاف إحدى البحيرات الخلابة أو من على بساط أخضر في إحدى الرياض الغناء، وواقع الحال يفيد بأنه كتبه من خلف قضبان سجون الظلم والظلام.
حمل الموضوع بين جنباته دروساً ومواعظ وشهادات وانطباعات خرجت دافئة صادقة طاهرة من قلب ينزف دماً وروح تفيض نوراً. ومحور الموضوع الهندي النبيل فرانسيس الذي عايش مع زوجته الصابرة "ريتا" أسرة هشام باشراحيل طيلة 30 عاماً، حمل خلالها كل أفراد الأسرة أجمل مشاعر الامتنان للزوجين الطيبين فرانسيس وريتا، إلا أن دائرة فرانسيس كانت هي الأوسع بحكم عمله وعلاقته مع آخرين ارتبطت مصالحهم وعلاقاتهم الطيبة بالأسرة، وبادلوا فرانسيس الود بالود، ومنهم من انتقل إلى جوار ربه أمثال: علي سالم علي الطيبي، د. عبدالعزيز طرموم، فيصل باعبيد، وغازي علوان، ومن الأحياء الطيبين: د. أبو بكر السقاف، محمد سعيد باشرين، عبده حسين أحمد، د. سالم باناجة، عبدالباري طاهر، محمد عبدالله مخشف، د. محمد علي السقاف، د. هشام محسن السقاف، وكاتب هذا الموضوع.
يشهد الله أنني امتشقت القلم لأشرع في كتابة هذا الموضوع بعد أن غمرني الحزن وعصفت بي إنسانية وجسارة وطهارة روح العبادي المرقشي، وهو يعدد مناقب الراحل فرانسيس، فطيلة 3 سنوات لم ينقطع خلالها فرانسيس يوماً واحداً. ويقول العبادي: كنت أقابله يومياً من خلف قضبان الظلم والقهر والاستبداد.. هذا الهندي الوفي الذي كان بالنسبة لي جزيرة عطف ورحمة ونور وسط محيط من القسوة والقهر والظلم والظلام، وجدت فيه عطفاً ورحمة لم أجد مثلهما عند كثير من الناس، منهم الأخ والصديق، وجدتها مع أخي وصديقي الأصيل الوفي فرنسيس الهندي، رحمة الله عليه وطيب ثراه".
"كان مداوماً بكل إخلاص لم يفعلها أخ أو صديق، ولم تفعلها حتى قبيلة المراقشة طيلة السنوات الثلاث، التي كانت بالنسبة لي سنوات عجافاً يابسات أسفرت عن حكم الإعدام، وهو حكم ظالم وجائر.. حكم سياسي بامتياز، ولا أملك إلا أن أقول حسبي الله ونعم الوكيلـ".
كانت إنسانية فرانسيس تحت الاختبار في كل يوم من أيام السنوات الثلاث، إلا يوم الاثنين 20 رمضان 1431ه الموافق 30 أغسطس 2010 الذي تخلف فيه فرانسيس عن الحضور إلى السجن المركزي ليقدم للعبادي حاجته من الفطور وغير الفطور.. هل تخلى فرانسيس عن صديقه العبادي؟ وكانت الإجابة بالنفي.. إذن هناك ظرف خارج عن إرادة فرانسيس، وأبلغ العبادي بأن الله تبارك اسمه قد اصطفى عبده فرانسيس إليه، فبكاه العبادي بكاء مراً.
وضع العبادي المرقشي صديقه المتميز فرانسيس في ميزان المفاضلة مع إخوة وأصدقاء، بل وحتى مع قبيلته (المراقشة)، ورجحت الكفة لصالح فرانسيس، ولا غرابة في ذلك لأن الشهادة جاءت من بطل الحركة الوطنية اللبنانية وحركة المقاومة الفلسطينية أحمد عمر العبادي المرقشي.
طالما أن فرانسيس هندي دعت الحاجة عند العبادي بأن يذكر القراء بالمهاتما غاندي، الزعيم الهندي الزاهد الذي كان أباً للأحرار، ليس في الهند وحسب، بل في مشارق الأرض ومغاربها، ويفيض إطراء العبادي على هذا الزعيم الكبير الذي رفع شعار "اللاعنف" في كفاحه وكفاح شعبه ضد الوجود البريطاني في الهند.
يختتم العبادي رسالة حزنه في صديقه الوفي فرانسيس، وهو في ذات السياق يذكر القراء بقول الشاعر:
"كم مات قوم وما ماتت مآثرهم
وكم عاش قوم وهم في الناس أموات"
يؤكد العبادي في الأخير على وفائه وحبه لعزيزه هشام باشراحيل، وخصه ببرقية تمنى في سياقها الشفاء العاجل لصاحب القلب الكبير والكسير هشام باشراحيل.
لله درك أيها المرقشي الأصيل.. وطيب الله ثراك أيها الهندي النبيل!