عواصف الطرود

عواصف الطرود

محمد الغباري
فيما عاصفة الطرود المرعبة لم تهدأ، حرص المؤتمر الشعبي على أن يلحقها بعاصفة أخرى، وأعلن من خلالها موت الحوار والذهاب إلى الانتخابات منفردا.
لا بد أن نعترف في البداية أننا بلد فقير، ومن ثم فإنه من السهل على أي طرف إقليمي أو دولي أن يعبث بأمنه من خلال العملاء الذين يمدون بملايين الريالات شهريا كمكرمات من اللجنة الخاصة، ولهذا فإن الشكوك التي تكونت حول قصة اكتشاف الطردين الملغومين القادمين من اليمن، قد لا تؤثر في الموقف السياسي الذي تشكل في واشنطن والعواصم الأوروبية، وحتى في منطقتنا.
الرواية الخارقة للعادة تقول إن أجهزة المخابرات السعودية تحصلت على معلومات بوجود طردين مفخخين مرسلين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومهمة هذين الطردين هي الوصول إلى معبدين يهوديين في شيكاغو.. غير أن هؤلاء لم يقدموا لنا سببا للكيفية التي تم فيها مرور الطردين من اليمن، ولماذا لم يكتشف أمرهما في مطار الدوحة أو في مطار كولونيا بألمانيا، قبل أن يصلا إلى دبي ولندن، لأن المعلومات تشير إلى أنه ولولا البلاغ السعودي لما اكتشفت شرطة دبي ولندن أمر هذين الطردين.
هذا الأمر يملي علينا افتراضين؛ الأول قائم على أساس فكرة المؤامرة الاستخباراتية، وبهدف دعم الديمقراطيين في الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي، ومن ثم فإن أطرافا في الدول المعنية قد تكون شريكة في صناعة السيناريو وفي إخراجه، وظهر أن الزوج هو آخر من يعلم كما يقال.
الأمر الثاني يقوم على افتراض أن المخابرات السعودية قد تمكنت من اختراق تنظيم القاعدة في اليمن كما حصل مع محمد العوفي الذي عين كمسؤول إعلامي في التنظيم قبل أن ينقل على طائرة خاصة من مأرب إلى المملكة إكراما لتوبته وعدوله عن فكر تنظيم القاعدة. وهذا الافتراض يقتضي منا القول إن المخابرات السعودية حصلت على تلك المعلومات، ومن ثم فضلت تقديمها للإدارة الأمريكية كتعبير عن حرص الرياض على متانة العلاقات مع إدارة الرئيس أوباما.
إذن في المحصلة فإن السعودية وجهت لطمة قوية للتحالف القائم مع اليمن في مجال مكافحة الإرهاب، وبدت غير آبهة بكل التنازلات التي قدمت لها سواء في ما يخص المواجهات مع الحوثيين أو في الحرب على تنظيم القاعدة، أو مكافحة المخدرات، وحتى في ما يتصل بغض الطرف عن اتساع قاعدة عملائها في اليمن وانتشارهم في مستويات مختلفة سواء داخل أجهزة الدولة وحتى في الأحزاب وفي أوساط القبائل.
لا أحد حتى اللحظة يعرف أسباب هذا التصرف العدائي ضد نظام الحكم في اليمن الذي رمى بكل ثقله نحو تحسين العلاقات مع السعودية، بل وفرط حتى في علاقاته مع دول أخرى في سبيل إرضاء الشقيقة الكبرى. ولكن ما يفهم من هذا التصرف الذي جاء بعد حادثة إطلاق سراح الطفلين الألمانيين المختطفين في صعدة، وهي تصرفات تعكس تعمدا سعوديا لإظهار نفسها وكأنها باتت أكبر طرف مهيمن في اليمن، وهي بذلك تكرر العجرفة السعودية والاستعلاء في التعامل مع الشأن اليمني كما كان في السبعينيات والثمانينيات.
الأمر ذاته قد ينطبق على قرار المؤتمر الشعبي الذهاب إلى الانتخابات النيابية منفردا، لا لأن توقيت القرار خطأ فقط، ولكن لأن التحديات ومساعي إذلال اليمن تتطلب تعزيز الوحدة الوطنية، ولأن المنطق يفترض بصناع القرار إدراك أن تقديم التنازلات للشركاء في الداخل هو أفضل وأقل كلفة من التنازلات التي قد تقدم للأطراف الخارجية، والتاريخ مليء بالتجارب.