حسن نصر الله والفرق بين الوعد والالتزام

حسن نصر الله والفرق بين الوعد والالتزام - عبدالعزيز البغدادي

في أول يوم أعلن فيه الكيان الصهيوني وقف الأعمال القتالية- كما أسميت في قرار مجلس الأمن (1701) أعلن أمين عام حزب الله السيد المقاوم المجاهد حسن نصر الله أنه في اليوم التالي ستبدأ ورشة العمل لإزالة آثار العدوان الصهيوني الذي لا مثيل لهمجيته و وجه نداءً لكل المهندسين الخيرين من اللبنانيين ومن المنتمين إلى حزب الله على وجه الخصوص بأن يتجهوا إلى الضاحية الجنوبية للبدء في ورشة العمل والبناء. وفعلاً باشرت مؤسسة جهاد البناء في العمل بحيوية وفاعلية ملموسة تماماً بنفس الروح الجهادية التي بذلها مجاهدو حزب الله في مقاومة العدوان الشرس والوقح الذي استهدف لبنان طوال أربعة وثلاثين يوماً أحدث في المناطق المستهدفة من الاضرار ما لم يكن له مثيل حتى في الحرب العالمية. وكان الحضور بالفعل في اليوم المحدد لعدد من المهندسين المنتمين للحزب وعدد من المهندسين المتطوعين حيث باشروا برفع ا لأنقاض وحصر الأضرار وتشكيل لجان لهذا الغرض ولغرض رفع المبالغ التي خصصت لدفع ايجار من ستة اشهر إلى سنة وقيمة اثاث لائق لكل متضرر. ولم تمض سوى أيام قليلة حتى شاهدت العديد من المواطنين عبر بعض القنوات الفضائية يؤكدون بأنهم استلموا مبالغ وبعضهم تم تسكينهم في المساكن التي كانت اضرارها خفيفة أو التي لم تتضرر.
وفي اللقاء الذي أجرته معه قناة «NEW TV» اللبنانية شدني حديثه. كما كل احاديثه ومن ضمن ما جاء في الحديث مما له صلة بجهاد البناء دقة تعبيره عن وعد حزب الله (المقاومة) بأن يجاهد في البناء، وتحقيق هذا الوعد إلى أن يفي بما وعد به و هو تعويض الناس المتضررين عن الاضرار التي لحقت بهم.
كان هذا المناضل دقيقاً كعادته في اختيار الألفاظ. على سبيل المثال: قوله بأن وعد حزب الله لا ينبغي أن تفهمه الدولة على أنه يعيقها عن مسؤوليتها، فالحزب يفي بوعد وعلى الدولة أن تفي بالتزامها القانوني، والفرق واضح -كما قال- بين الوعد والالتزام.
كلمة الوعد هنا جاءت، في بناء محكم وأخلاقي ينم عن ذوق رفيع لدى المتحدث إذ أن الوعد كلمة تنسجم مع أخلاقية المجاهد في الوفاء بوعده ومن المؤكد أن المسؤولية القانونية العادية للأفراد والأحزاب داخل المجتمعات محددة الإطار ومن النادر أن يتطوع فرد أوأفراد فيلزم نفسه بالتزامات شبيهة بهذه الالتزامات التطوعية أو -بمعنى آخر: الجهادية- المماثلة لما قام به حزب الله من تقديم الشهداء، وبذل كل طاقته في سبيل وطنه وأمته. بل أزعم أني لست مبالغاً لو قلت إن ما صنعه حزب الله في لبنان مثال إنساني لم يسبق له مثيل في التاريخ الانساني من حيث العقيدة الجهادية والسلوك المترجم لها في الجهاد القتالي العسكري ذوداً عن الكرامة والحقوق الإنسانية في الحياة، وفي جهاد البناء على هذا النحو خاصة في هذا العصر الذي نشاهد فيه حكومات ودولاً تسبح أجهزتها في بحار الفساد بل الإفساد الذي يؤدي إلى إهدار طاقات وأموال هائلة وخيالية.
إن هذا الرجل المثال (حسن نصر الله)، وهذا الحزب (حزب الله)، بمسلكه هذا يستحق من لبنان والوطن العربي بل والعالم الحر كل الاجلال والاحترام والتبجيل وأن يتحول هذا المسلك إلى مدرسة في الوفاء والفداء والإنسانية تستفيد منها الأجيال؛ فربما يصنع العالم بهذا عالماً أجمل يحترم الحرية ويعرف معنى الشهامة.
لقد أكد العماد ميشيل عون على أن منهج حزب الله وأمينه العام برهنت التجربة والأيام والسنون على مصداقيته. ومن هنا نجد أن «عون» كان منصفاً في هذا الرأي، ولا يملك البعض ممن لا تعجبهم هذه الروح الجهادية، أن يتحلوا بهذهالمصداقية. كما لا يملكون القدرة على العلنية لضعف حجتهم، بل لانعدامها.
ماذا يمكن أن يقال عن حزب قدم كل هذه التضحيات ولم يبدر منه عبر تاريخه سوى الحرص على الوحدة الوطنية؟ ماذا يريد بعض السياسيين في الساحة اللبنانية أو خارجها ممن يتحدثون عن بسط سلطة الدولة؟ عن أي دولة يتحدثون؟ ما مفهومها؟ وما واجباتها تجاه المواطنين؟ وهل حدث من حزب الله أن منع قيام الدولة بالدفاع عن الوطن وتطبيق سيادة القانون؟ هل حدث لهذا الحزب ان منع الدولة من القيام بواجباتها في التعليم والصحة والرعاية؟ أم ماذا تعني الدولة المراد بسطها؟! هل يعني بسط سلطة الدولة منع أي هيئة أو حزب أو فرد من أن يكون مثال خير وأمل وعطاء وجهادية؟ هل هذه السلوكيات تعني: معاداة بسط سلطة الدولة على كامل ترابها؟ أي دولة هذه التي لا تقوم بواجبها في الدفاع عن الشعب وحينما تقوم جماعة من الشعب بالدفاع بكل هذه البطولة والفدائية والأخلاق الحسنة تصبح متهمة؟! أي منطق هذا؟!! بل أي أخلاق؟!! مع الاعتذار...