حوار بلا حراك!

حوار بلا حراك!

*  سامي غالب
هل تدور عجلات الحوار بعد عام ونصف العام على اتفاق فبراير (2009) الذي تم بمقتضاه تأجيل الانتخابات النيابية حولين كاملين؟
هذا سؤال اللحظة اليمنية الراهنة بكل حمولاتها وتعقيداتها ومخاطرها العابرة للسقوف الوطنية والحدود السياسية للدولة اليمنية المترنحة، كما عملتها الوطنية. الدولة التي تواضعت توقعات الإقليم، وبخاصة الجوار الخليجي، والغرب بشأنها إلى الدرك الأدنى، وبات قصارى أملهم أن تضطلع بدور «دولة حاجز» ضد عصابات الإرهاب والتهريب، تماماً كما كان اليمن الشمالي في السبعينيات والثمانينيات «دولة حاجز» ضد الشيوعية في الجنوب.
كذلك ترتطم الوعود الكبرى الفوارة للمعارضة اليمنية بمشتركها وحراكها وحوثييها، بمقاربة غربية جليدية تتلفع بالتشاؤم، مؤداها أنْ: ليس في الإمكان في الوقت الراهن سوى إنعاش «المريض اليماني» بدورة انتخابية تخرجه من «العناية المركزة».
وكذلك وقَّع المؤتمر الشعبي واللقاء المشترك في 17 يوليو على محضر تنفيذي يمهد الطريق إلى تعديلات دستورية وانتخابات نيابية عبر «حوار بلا حراك».
المشترك يلوح أول الخاسرين. يخسر معارضة الخارج - قنطرة اتصاله بحراك الجنوب -لأنه يتراجع مبدئيا- في نظر هؤلاء- عن اصطفاف وطني لـ«التغيير» توافق عليه معهم في القاهرة، إلى حوار لـ«الاصلاح» السياسي والانتخابي تحت سقف الشرعية الدستورية.
وحيال إنكار السلطة «القضية الجنوبية» فإن هذه لن تتصدر أجندة الحوار الوطني، بحسب التزام المشترك للداخل والخارج معاً، فأصحابها الشرعيون أو بحكم الأمر الواقع في الجنوب، غائبون. وإذا تشبث المشترك بوعوده فإنه سيستنزف طاقته في محاولة إدخال القضية الجنوبية في سم إبرة «التعديلات الدستورية»، وهذه مقامرة غير محسوبة قد يخرج منها خاسراً أوراقه كلها.
خلال الأسابيع الماضية صدرت تصريحات من قياديين في المشترك واللجنة التحضيرية تشي بأن المعارضة السياسية تخشى الدخول في لعبة مقامرة`
مع السلطة، في ما يخص القضية الجنوبية، فهي إذ تقطع بمركزيتها كجوهر لـ«المسألة اليمنية» فقد كفت عن منازعة قوى الحراك في الداخل ورموزه في الخارج، حق تمثيلها.
هذه الخطوة الانسحابية من شأنها أن تؤجل الصدام بين المشترك وقوى الحراك. هذا أولاً، وثانياً فإنها توفِّر للمشترك هامشاً للمناورة خلال التحضيرات الجارية التي أنيطت بلجنة مشتركة مصغرة (من 30 عضواً)، إذ يستطيع ممثلو المشترك في هذه اللجنة أن يحاججو، استناداً إلى مقدمة اتفاق فبراير وليس بنوده الثلاثة، بضرورة العمل على إقناع أصحاب «القضية الجنوبية» بالمشاركة في الحوار لأنهم لا يملكون تفويضاً منهم للحديث باسمهم.
لكن الطرف الآخر (السلطة) الذي أدمن المقامرات مثلما أدمن المسكنات، سيبادر إلى إشهار آخر أسلحته، مطالباً بفصل المسارين (مسار الانتخابات المحكومة بموعد دستوري، والحوار الوطني الذي يتطلب وقتاً وجهداً لجلب ممثلي الحراك الجنوبي إلى قاعته)!
سلاح السلطة هذا، الطالع من تأويلها لاتفاق فبراير، سيتضافر مع مقاربة غربية تريد لعجلة الحوار الدوران في أسرع وقت.
ولئن كان المشترك المحكوم بتفاوت حساسية أعضائه حيال الالتهاب الجنوبي، هو أول الخاسرين، فإن قوى الحراك -يجب أن نقول- هي أبرز الخاسرين.
فدوران عجلة الحوار بمباركة غربية في ظل غياب ممثلي الحراك، يكشف عن قصور في الحركة السياسية لقوى الحراك بسبب تشرذمها واحترابها على احتكار تمثيل القضية الجنوبية، فضلاً على رومنسيتها ومثاليتها. كل أولئك حرمها من الحركة المرنة التي تمكنها من استثمار النضالات والتضحيات والزخم الشعبي للقضية الجنوبية، والتسلح برؤية سياسية واقعية تستفيد من العلاقة الصراعية بين السلطة والمعارضة الحزبية.
وما كان لهذا الفشل الحركي والسياسي إلا أن يغذي نزعة انعزالية لدى بعض مكونات الحراك وداخل فئات من جمهورها، شوشت على جمهور الحراك الواسع في المدن، خاصة في عدن وحضرموت.
على أن قصور الحركة السياسية تضافر وتقاصر الحراك في إدراك دوافع ومحددات الفاعلين الاقليميين والدوليين، وبخاصة واشنطن.
والشاهد أن «القضية الجنوبية» التي تقدمت إلى صدارة المشهد الاعلامي العربي والدولي عام 2009، ما لبثت أن تراجعت وخبت جراء ارتطامها بجدار سميك من الحسابات الاقليمية والدولية التي تريد الاستقرار لليمن بأي ثمن.
وعوض الإمعان والتمحيص والمراجعة والتكيف انغمس بعض قيادات الحراك في الداخل (الفضلي مثالاً) وزعيمه السياسي في الخارج (علي سالم البيض) في توجيه رسائل عاطفية لم تلق صدى في عالم محكوم بالمصالح وممسوس بالإرهاب!
في موازاة تحضيرات الحوار في صنعاء بإيقاعها الرتيب وتفاصيلها الفنية التي لا تنتهي، يرجح أن تلجأ قوى الحراك إلى التصعيد الشعبي في المحافظات الجنوبية، كما حدث عقب اتفاق فبراير 2009، في محاولة للتعويض عن «إنكار القضية الجنوبية» في العاصمة وتجاهلها في العواصم القريبة والقصية.
 وعلى الجملة فإن إنكار السلطة واستغراقها في لعبة مقامرات بأوراق خطرة كالحرب في صعدة والقاعدة في الشرق والجنوب، وارتباك المعارضة وتذبذبها بين «حوار من أجل التغيير» و«حوار من أجل الإصلاح»، وتشرذم قوى الحراك وتمترسها وراء شعارات لها قوة أداء في الشارع الجنوبي حصرياً، كل ذلك حال دون حدوث تغيير في المعادلة اليمنية يفرض على الفاعلين الاقليميين والدوليين إعادة النظر في مقاربتهم لـ«المسألة اليمنية»، وهي مقاربة تبدأ، حسبما أفاد «النداء» مصدر غربي مطلع العام الجاري، بوقف الحرب في صعدة وجلب السلطة والمشترك إلى طاولة حوار حول إصلاحات سياسية وانتخابية تعزِّز سلطة الرئيس علي عبدالله صالح بقدر ما تنقذ التعددية الحزبية، وتحد من خطر انزلاق اليمن إلى فراغ دستوري و«أفغانستان عربية»، وبشأن القضية الجنوبية، فإن التدخل الغربي مؤجل حتى إشعار آخر.
وحسب المصدر الغربي القريب من دوائر القرار فإن واشنطن ولندن (وهما العاصمتان الأكثر اهتماماً بالأوضاع في الجنوب) تعتقدان أن الأمور لم تنضج بعد في الجنوب، ولذلك فإنهما جمدتا مطلع 2010 جهوداً سرية بذلتها منظمات غير حكومية متخصصة في تسوية النزاعات لتشخيص الحالة الجنوبية واستكشاف مدى جاهزية قوى الحراك ورموزه في الخارج للدخول في تسوية سياسية مع الرئيس صالح.
بكلمة واحدة، فإن جميع الفاعلين المحليين والخارجيين قرروا شراء الوقت، لإبطاء وتيرة الانحدار المستمر منذ سبتمبر 2006 حتى وإنْ سقط الحوار، لاحقاً، دون حراك!

Hide Mail