قافلة لغزة وإنسانية مؤجلة باليمن

قافلة لغزة وإنسانية مؤجلة باليمن

*عبدالكريم محمد الخيواني
يحسب لتركيا لفت الانتباه، بأسطول الحرية، إلى غزة، وتسليط الضوء على الجريمة الصهيونية. وبقدر ما أدى ذلك إلى التعريف بحجم الكارثة الإنسانية بغزة، عالميا، ونقلها إلى مستوى إنساني وسياسي دولي، صار فيه مجرمو الحصار الصهاينة، محرجين، ومكشوفين، ومحل ضغط المجتمع الدولي، بقدر ما كشفت أن حالة الاهتراء والضعف العربي لم ينجُ منها حتى الشعور الإنساني.
النظام العربي الرسمي، كعادته، يحاول اللحاق بلحظة مجد، فبدلا من الضغط السياسي لفتح معبر رفح، ينظم قوافل إغاثة وكأنه علم للتو بما يحدث في فلسطين، فتجد في ليبيا جمعية القائد القذافي، فرصة للتعبير عن شعور قومي، محتقن، وحديث متكرر عن قوافل عربية هنا وهناك، إلا أنه لا يمثل صحوة ضمير رسمي، بقدر ما يمثل سعيا لركوب موجة شدت انتباه وإعجاب العالم.
أسوة بالآخرين، اليمن قررت إرسال قافلة إغاثة، لكن لم تتبنَّ جمعية الصالح أمر القافلة، على غرار ليبيا، ربما مراعاة لعدم حضور رئيس الجمهورية القمة الاستثنائية في قطر، عن غزة، كما أن جمعية كنعان، بصفتها المتعهد اليمني للقضايا القومية، لم تتبنَّ القافلة وحدها، ربما لانشغالها بإنجاز تسليم القرية التي تكفلت السلطة ببنائها في جنوب لبنان، ورصد لها مبلغ 7.5 مليون دولار، ولم تسلم حتى الآن منذ 5 سنوات. وبالمناسبة الجمعيات الرئاسية تقليد عربي أسفر عن نفسه مؤخرا، من باب التأكيد أن لا فرق بين إدارة بلد، وإدارة جمعية خيرية.
المهم جاءت القافلة اليمنية، نتيجة لحماس رسمي، وتعاون خبراء حشد الدعم للجهاد بأفغانستان، وتأييد الأحزاب، وتفاعل رجال الأعمال و...و... الخ، أي حظيت القافلة بإجماع، وطني يمني.
وإرسال قافلة، ولو متأخرة، إلى فلسطين، أمر جميل، ورائع ومسؤول، وواجب، لكنه لا يعبر بأي معنى من المعاني عن شعور إنساني تجاه معاناة بشر من كارثة عدوان، لا يعبر عن حس ديني تجاه إغاثة الملهوف، ولا يمثل قيمة وطنية أو قومية، تجاه اعتداء عدواني، حل بإخوة عرب، ومسلمين، أو ببشر ما، بل مزيج لا يخلو من النفاق والدعاية، والحضور، وإعلان نحن هنا.. لماذا..؟
لأن لدينا كارثة إنسانية في صعدة، وسفيان، والجوف، مئات الآلاف من النازحين، يحتاجون الغذاء والمأوى والدواء، والكل يعلم، وجراء حرب وطيران وصواريخ، حتى وإن كانت صديقة يمنية أو سعودية، فقد خلفت ذات المأساة والخراب والدمار والموت، وتعاني الحصار، ولا تصل إليها المساعدات الإنسانية كاملة، مات أناس هناك جراء البرد، وتنتشر الأوبئة بالمخيمات.
لدينا حصار على الضالع، ألا يستحق نفحة وطنية وحدوية؟ لدينا فقراء الساحل التهامي، لدينا اللاجئون الصومال، أين كان منهم هذا الإجماع والشعور الوطني والقومي والديني والإنساني؟ هل يجب أن تضربهم، وتفقرهم وتشردهم إسرائيل، ليحظوا بتعاطف أصحاب الإجماع إياه؟ اليمن تحتاج كلها إغاثة من سلطة فاشلة ومعارضة هشة، وفساد جامع جامح.
السلطة -أياً كانت- التي لا تحترم حق شعبها بالحياة، ولا تحترم كرامته، لا تحترم حياة الإنسان أينما كان. ومن يقمع شعبه، لا يبالي بشعب معتدى عليه. والفساد الذي يسلب مواطناً قوت يومه، لا يهتم بمعاناة غيره من الفقر أو الحصار. وسلطاتنا العربية نموذج مكتمل للسوء، فكيف نتوقع منهم خيرا في فلسطين، ولم يحسنوا سوى الشر في أقطارهم، حتى وإن رفع الحزب الحاكم شعار اليمن أولا.
والغالبية باليمن متواطئة ضد الضحايا، تحريض من هذا، لامبالاة من هناك، وصمت، وأولويات مختلفة لكل طرف، والمؤجل الوحيد، هو الشعور الإنساني، أو واجب الغوث، أو التضامن. صحيح لا يخلو اليمنيون من هذه الميزات كأفراد، لكنها ليست ثقافة اجتماعية، تترسخ ببرامج الأحزاب، أو أنشطة الحكومة، أو التقاليد الاجتماعية.
إن الزكاة في دولة الخلافة، لم تكن تخرج من بلد إلى آخر إذا كان أهل البلد مستحقين لها، ولا يقولن لي أحد، إن الأمر مختلف، هنا، لأن الإنسانية لا تقبل التجزئة، وإغاثة الملهوف، لا تكون في فلسطين أو أفغانستان والشيشان، وصعدة والضالع والحديدة لا.
والمفارقة، أن الرئيس يريد تقديم مبادرات لحل مشاكل العالم إلا مشاكل مواطنيه، فلا مبادرة، ولا يتعاون مع مبادرات الغير! والمشترك مهتم بالانتخابات، ولا يهتم بأحوال الناخب ومعاناته.
السلطة تعتقل مواطنين بتهم سياسية، متجاوزة القانون والدستور وكل مبادئ ومواثيق حقوق الإنسان، والمشترك يفاوض على الإفراج عنهم، ولا يتحقق عادة هذا الأمر، ويتكرر، ولا يعي المشترك أن الموقف من قضايا الحقوق والحريات يجب أن يكون مبدئيا، برفض هذا الأسلوب، والعمل على إسقاطه، ومحاسبة السلطة عليه باعتباره تجاوزاً ومخالفة وانتهاكاً، ومن لا يحترم الدستور والقانون والحقوق، كيف يؤمل أن يحترم نتائج حوار، أو اتفاق..؟
ومؤخرا، أعفى المشترك نفسه من قضية المعتقلين، برمتها، فأسقط قضايا معتقلي صعدة من جدول أعماله، وخرج المفاوض الهمام، بكشف قديم للمفرج عنه، لأن الحقوق لديه (حقي وبس)، ولم يكلف نفسه مجرد التعليق على حرب سفيان، في تماهٍ سافر من البعض مع قبح سياسة السلطة، ونظام سياسي أشبه بالسفيه حسب تعبير الدكتور ياسين سعيد نعمان، في معرض تعليقه لـ"نيوز يمن" عن اتفاق السلطة والمشترك، وهو تعبير يعكس قرف رجل نبيل مما يجري.
لقد كشفت قافلة غزة، أن إنسانية اليمني لليمني ليست متوفرة، ومؤجلة، لكن نقول طيب أحسنتم بإرسال قافلة إلى غزة، لكن هل من بقايا ضمير للنازحين، من بقايا سلام لسفيان، للمشردين، للمحاصرين، للفقراء، للمعتقلين، للمظلومين، للمقموعين، لضحايا الفساد باليمن؟ أو هل يكفيهم البعض تواطؤهم، وتحريضهم فقط؟ وشيء من الحياء يا هؤلاء.
[email protected]