وطن سيئ السمعة

وطن سيئ السمعة

* خالد سلمان
إهداء:
(إلى أصدقائي في عدن وردفان.. الضالع وجحاف وحضرموت.. أبين وفلسطين المحتلة)
جعلوه وطناً سيئ السمعة.. فيه الدم يسفك بمتعة من يستعذب روائح الريحان والند والزعفران. جعلوه وطناً سيئ السمعة، فيه إبرة القتل الممغنطة.. يوجهها الطغاة إلى قلب كل عود باعتداد وقوة وبهاء استقام.. إبرة القتل تكمن في أزقة الحواري.. مداخل المدن لتسرق من العابرين صرخاتهم.. تغيب الغد وتجعل من البلاد ثكلى.. مقعدة.. صورة شوهاء لبداوة الحكم.. وجحافل الغزاة القادمين من قمم جبال البؤس إلى حاضرة المدينة الساحرة.
جعلوه وطناً سيئ السمعة.. إطلالته من على شاشة العرض.. نذير شؤم وبومة خراب.. هنا.. هناك قتل وقتل وقتل.. وانفجار الغضب.
جعلوه وطناً سيئ السمعة.. لص أرواح.. تاجراً يعتاش على إنعاش أسواق بورصات الفجيعة.. متعهد قتل.. إله حرب.. فأراً في الجوار وليثاً هصوراً على داخل سئم فجاجة البداوة.. سطوة المتنفذين.. فرق تعقب واقتناص الخصوم المعارضين.. بكمائن موت يمضي بمتوالية مروعة.. كلما شُيع شهيد هنا.. أسقط القتلة هناك 10 آخرين.
جعلوه وطناً لزجاً مخضباً بالدم.. محفوفاً بشهوات اصطياد الناس.. وكأن هناك منادياً في محطة الموت.. باقي نفر.. إلينا بعابر سبيل آخر.. لننطلق سوية إلى حافة الجنون.. نقلع بكم.. وبهذه البلاد إلى سماوات الآخرة.
جعلوه وطناً سيئ السمعة.. عنواناً فجاً لموجز الأخبار.. إعلان تنزيلات لموسم الرخص والدناءة.. هنا القنبلة بنصف كوم بطاطس.. هنا استعصاء فك فزورة الفصل بين واجهة الحكم وبازار السلاح.. بين الأمن والقاعدة.. وكرّات استباحة صباحات المدن مع شعاع أول صلاة فجر.. وعقب حمام شمس كل ظهيرة.
جعلوه وطناً سيئ السمعة.. للقاتل فيه دية قتيلين ورتبة استثنائية ووسام.
ويسألونك كم قتلت يا هذا.. قل كم جالون دم سفحت.. وكم يتمت صغاراً.. لأقرأ لك البخت وأكشف سر الغيب وحسن طالعك.
كم ذبحت يا هذا.. وأطفأت سراج كم دار؟.. كم غيبت فرحة أب بعودته بكيس خبز وحزمة أمنيات للصغار؟.. وكم شفاه أخرست؟ وكم صرخة خنقت.. غصة صادرت.. ضحكه أجهضت..؟ وكم رصيدك في سوق الرؤوس المجندلة؟!
قل لي ماذا فعلت بهذه المدينة المستباحة.. هذا الصباح.. اكتب تقرير إنجاز.. عالي فيه سقف النواح.. سأجعل قائد الجند يربت على كتفيك..
يمنحك قصاصة شكر وامتنان.. شهادة إقرار بأنك تيس الجند وأمضى مسلخ ذبح.. أوسخ حذاء دوس على شتلات الوطن.
يا هذا كم قتلت في محطة التاكسي؟ وكم صوبت مقذوفاً إلى صدر المشاة العابرين..؟ كم نكست سقف بيت؟ وكم رملت امرأة؟!
اكتب تقريرك لنرى كم أنت وطني.. ونعلمك بدرجات تفوقك على دخلاء وأغيار البلاد.. دواشين المدينة.
إن لم يكن لديك حبر أسود مثل طالع راهن اليوم.. فغمس إصبعك في أقرب بركة دم.. وادعُ الله بدوام عز الملك.. واكتب تقرير الصباح مفتتحه باسم الوطن المتراص.. أنا القناص الواضع اسمي في أسفل قمامة التاريخ.. أشهد أن الرعاع مثل ذيول الكلاب لا تستقيم بغير البتر.. وأن الرصاص مع الأنجاس طهر وتقوى وصلاة.
اليوم أنا تيس الجند قد أنجزت التالي: مع فنجان شاي الصباح ذبحت تظاهرة معادية.. قبل الإفطار بسملت بقنبلة غاز.. تجشأت مقذوفاً مطاطياً من فوهة مدفعي الرشاش.. وأسقطت –كي أكون أميناً صالحاً– لا أعرف كم رأس.
هل سيدي أستحق ترقية علبة فاصوليا وجوز كُدم.. شهادة تقدير وربما حفنة ريالات.. رباط شاش.. لإخفاء عورة يدي من كل هذا الجذام..؟
جعلوه –عليهم اللعنة– وطناً سيئ السمعة.. ممتهن جرم، وفي جبين العالمين وزراً.. وفضيحة.