دعوة الرئيس للحوار.. وحكومة وحدة وطنية: هل من ضرورة؟

دعوة الرئيس للحوار.. وحكومة وحدة وطنية: هل من ضرورة؟

* عبدالله سلام الحكيمي
بترقب ولهفة انتظرت الأوساط السياسية والمراقبون والمحللون في الداخل والخارج، وكذا كان حال قطاعات من الشعب، ماذا عساها تكون المفاجأة الكبرى التي بشر بها رئيس الجمهورية وأجهزة الإعلام الرسمية المختلفة في خطابه بالذكرى ال20 لإعلان قيام دولة وحدة يمنية في 22 مايو 1990.
وكانت المفاجأة غير مفاجئة وغير جديدة تدعو إلى حوار عاجل بين النظام وأحزاب المعارضة في تكتل أحزاب اللقاء المشترك الممثلة في مجلس النواب، وبدون شروط مسبقة لإقامة حكومة وحدة وطنية، ووعد بإطلاق جميع المعتقلين من الصحفيين والمحتجزين على ذمة حرب صعدة والحراك الجنوبي.
والواقع أن هذه الدعوة، بغض النظر عن جدتها وجديتها، تتطلب وقفة متأنية وعميقة بهدف الوصول إلى الحكم لها أو عليها بشكل موضوعي ما أمكن.
وبادئ ذي بدء من المفيد إلقاء نظرة عامة سريعة للواقع السياسي الذي انطلقت الدعوة في ظله بمتغيراته ومناخاته، ويمكن الإشارة إلى أبرز ملامحه كما يلي:
1) الإعلان عن وقف الحرب السادسة في محافظة صعدة وما جاورها، وبشكل نهائي كما أعلن حينها، رغم أن الشواهد تشير إلى أن ما تم عمله لا يعدو كونه مجرد هدنة في ظل غياب الإرادة السياسية والسعي الجاد لمعالجة الأسباب والعوامل الحقيقية التي أدت إلى نشوبها وتصاعدها منذ العام 2004، وتهيئة الظروف والعوامل المساعدة على ذلك.
2) اشتعال الاحتجاجات الجماهيرية للحراك في المحافظات الجنوبية وامتداد رقعته وتصاعد حدته وقوته وتطور أهدافه، وذلك على نحو ينذر بعواقب خطيرة جدا.
3) تطوير الأداء السياسي لأحزاب اللقاء المشترك وانخراطها ضمن إطار عمل سياسي أوسع ممثلا باللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني التي اتسعت لتشمل في إطارها قوى الحوثيين ومجلس التضامن الوطني والحراك الجماهيري للهضبة الوسطى ورموزاً من قيادات في الحزب الحاكم وأعضاء مجلس النواب والمشائخ والشخصيات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، وحوارها مع زعامات الجنوب التاريخية وبعض أطر الحراك الجنوبي في الداخل، مما شكل نقلة نوعية وهامة في أساليب العمل السياسي الشعبي المعارض الأوسع نطاقا والأشمل تمثيلا لشرائح وقوى المجتمع السياسية والاجتماعية والمدنية.
4) المؤشرات والشواهد المرتسمة على الأفق أمامنا تنبئ باتساع رقعة وحدّة الانفلات الأمني في البلاد، وانتشار الفوضى والتسيب وتفجر انتفاضات شعبية عارمة في شمال البلاد وشرقها ووسطها وغربها بالإضافة إلى جنوبها، مع تردي وتدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية على نحو غير مسبوق.
5) فجر النظام حربا إعلامية عدائية وشعواء وبالغة التشنج والعصبية، عبر كافة أجهزة الإعلام الرسمية والحزبية الحاكمة (مرئية ومسموعة ومقروءة) وعبر المهرجانات والخطب والتصريحات لقادة النظام ومسؤوليه على اختلاف مستوياتهم، ضد تكتل أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) واللجنة التحضيرية للحوار الوطني، لا لسبب سوى الوصول إلى اتفاق سياسي ائتلافي بين كل من اللقاء المشترك واللجنة التحضيرية من جهة والحوثيين من جهة أخرى، أعلن فيه الحوثيون انخراطهم وانتقالهم إلى العمل السياسي الشعبي السلمي، فجن جنون النظام وفقد السيطرة على أعصابه وتماسكه وتوازنه، وراح يكيل التهم والتخوين للمشترك والتحضيرية لالتقائهم وتحالفهم السياسي مع المخربين والإماميين والإرهابيين والمجرمين وغير ذلك من التهم التي وصف بها الحوثيون رغم أن اتفاقيات إنهاء الحروب الست التي عقدها النظام معهم كانت تشترط عليهم تشكيل حزب سياسي لهم والانخراط في العمل السياسي السلمي! إضافة إلى نقمة النظام على المشترك والتحضيرية لتأييدهما ومساندتهما السياسية الإعلامية للمطالب المشروعة للحراك الجنوبي!
في ظل هذا الواقع السياسي المعاش الذي أشرنا آنفا إلى بعض أبرز ملامحه والمناخات والأجواء الناجمة عنه، جاءت دعوة رئيس الجمهورية للحوار وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولعله من المهم للغاية أنها تضمنت نقاطا تحمل الكثير من الأبعاد والدلالات ذات المغازي والأهداف التي تسعى الدعوة لتحقيقها من وجهة نظري:
1) الدعوة لحوار غير مشروط، أو بمعنى أدق دون شروط مسبقة، وهذا يطرح سؤالا مهما مؤداه هل اشتراط عدم الشروط المسبقة هدفه إسقاط مشروعية وإلزام اتفاق فبراير 2009 بين كتلتي الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك المعارضة في مجلس النواب، الذي يمنح شرعية قانونية ودستورية توافقية لسلطات الدولة التشريعية والتنفيذية؟
2) يلاحظ أن الدعوة تضمنت اشتراط أن يقتصر الحوار على الحزب الحاكم من جهة وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة بنواب لها في عضوية مجلس النواب! فقط، ومعنى ذلك استبعاد وإقصاء حزبين، على ما أعتقد، من أحزاب اللقاء المشترك، وهما: اتحاد القوى الشعبية وحزب الحق، إضافة إلى إقصاء واستبعاد اللجنة التحضيرية للحوار الوطني بكل مكوناتها من قوى الحوثيين، ومجلس التضامن الوطني والرموز الجنوبية التاريخية في الخارج، وقيادات فصائل من فصائل الحراك الجنوبي في الداخل، ومشائخ القبائل وشخصيات اجتماعية ذات اعتبار وثقل ومصداقية، وممثلي منظمات مدنية وحركة العدالة والمساواة (حراك الهضبة الوسطى) وغيرها.. وإذا كان من المفترض منطقيا أن يهدف الحوار إلى الخروج بمعالجات وحلول سليمة وناجحة للأزمات المستفحلة التي تعصف بالبلاد وتهدد تماسكها وتلاحمها الداخلي سواء في محافظات صعدة وعمران والجوف وغيرها، وكذا الانتفاضات الشعبية السلمية التي يقودها الحراك الجنوبي، المتنامية والمتصاعدة والمتزايدة الاتساع في المحافظات الجنوبية، ومظاهر التململ والإحباط والرفض في أوساط الخزان السكاني الضخم في تعز والحديدة وإب وغيرها من مناطق الهضبة الوسطى، وكذا الحال في البيضاء وذمار ومأرب وريمة، ووقف مؤشرات الانهيار الاقتصادي والنقدي والتخفيف من وطأة الفقر والبطالة، وإعادة التوازن والاستقامة لأجهزة الدولة ومؤسساتها، والحرب ضد الفساد والمفسدين.. فكيف يمكن لعاقل ذي بصيرة أن يتصور إمكانية تحقيق كل ذلك أو حتى البعض من ذلك في ظل استبعاد وإقصاء كل تلك القوى والفاعليات والأطراف صاحبة الحضور القوي والنفوذ والتأثير الملموسين، والمعبرة والممثلة لقطاعات شعبية واسعة وعريضة في طول البلاد وعرضها؟!
وفي ضوء ما سبق ذكره آنفا، يبدو واضحا وجليا أن الدعوة تفتقر إلى عامل الإرادة السياسية المقتنعة بضرورة العمل الصادق لإخراج البلاد من دوامة مشاكلها وأزماتها العاصفة، إضافة إلى غياب الجدية والمصداقية. ويرى بعض المتابعين والمحللين المهتمين بالشأن اليمني الداخلي، أن الدعوة تحركها أهداف تكتيكية آنية ومرحلية، وتنطلق من عقلية لا تزال مصممة على عدم الولوج إلى جوهر المشكلة وأسباب وجذور العلل والاختلالات التي تعصف بالبلاد، لاعتبارات مصلحية ضيقة، وضمان استمرار السيطرة والنفوذ والحكم للتركيبة الحاكمة، فالدعوة، وإن جاءت في تأزم النظام واشتداد الخناق عليه، إلا أنها برهنت على أن الأساليب والسياسات العقيمة والمتخلفة والمنهج المعتمد لإدارة البلاد بالأزمات والفوضى وبث الفتن والخلافات والصراعات بين فئات المجتمع وشرائحه السياسية والاجتماعية، لا تزال تهيمن وتتحكم بعقلية الحكم ومنهجه الذي أوصل البلاد بعد أكثر من 30 عاما إلى ما وصلت إليه اليوم، فالدعوة تتجه بوضوح إلى شق تكتل أحزاب اللقاء المشترك من ناحية، وخلق المنازعات بين أطرافه، وفك الارتباط والتنافر بين بعض أحزاب اللقاء المشترك واللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وتشتيت وتمزيق القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والمدنية المكونة لها والمنضوية ائتلافا في إطارها. وبالمحصلة النهائية ضرب أكبر وأوسع وأقوى اصطفاف سياسي مطالب بالتغيير منذ قيام ثورة سبتمبر. ومن ثم عقد تفاهمات انفرادية مع هذا الطرف أو ذاك لا تشكل خطرا ولو من بعيد على النظام. ولكن هل البلاد بحاجة ماسة إلى حوار وحكومة وحدة وطنية؟ وهل ذلك مطلب ملح وضروري؟ في الواقع إن مجمل الخبرات والتجارب المستخلصة من مسار تعامل القوى والأحزاب السياسية، وخصوصا منذ قيام أو إعلان قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990، تبرهن برهانا ساطعا لا يتطرق إليه أدنى شك، أن التركيبة المسيطرة على حكم البلاد لا تملك سوى غاية استراتيجية واحدة لا غير، توظف من أجلها وتجير كل المواقف والسياسات والأوضاع، وتوجهها صوب وفي خدمة ومن أجل ضمان تحقيق تلك الغاية الاستراتيجية العظمى والوحيدة، وهي ضمان استمرار قبضتها الحديدية وسيطرتها المطلقة على الحكم والدولة ومقاليد ومقدرات البلاد كافة، وضمان انتقال الحكم بالوراثة من الأب إلى الابن، وليس هناك أي هدف آخر غير ذلك، وهي تقوم على استخدام كافة الوسائل والأساليب والإجراءات الناعمة أو العنيفة، النظيفة أو القذرة، المشروعة أو غير المشروعة، في مواجهة أي قوى تشكل تهديدا أو خطرا على استئثارها واحتكارها للحكم ودوام استمراره بالوراثة تماما كما حدث عقب إعلان الوحدة من تصفيات دموية لقيادات وكوادر الحزب الاشتراكي شريكها في إقامة دولة الوحدة، مرورا بحرب عام 1994 التي أزاحت بالقوة العسكرية المسلحة أحد شريكي إعلان دولة الوحدة في 22 مايو 1990، وما أعقب تلك الحرب من تسريح وإقصاء آلاف العسكريين من جيش الجنوب وأجهزته الأمنية وموظفيه المدنيين، ناهيك عن قياداته الرسمية والحزبية. وما حدث بعد ذلك من تفجير حرب طاحنة تواصلت منذ عام 2004 في 6 حروب مدمرة ورهيبة، وكما يحدث إلى الآن في الجنوب ومأرب، وما سوف يحدث يقينا في قادم الأيام إذا استمر هذا النظام مسيطرا على الحكم. أولم تكن هناك بعد الوحدة حكومة ائتلافية بين شريكي الوحدة؟ وكيف انتهت؟ ثم ألم تكن هناك حكومة ائتلافية ثلاثية من شريكي الوحدة والتجمع اليمني للإصلاح بعد انتخابات 1993؟ وكيف انتهت؟ وماذا أنجزت تلك الحكومات الائتلافية؟
نعم إن الحوار الوطني الشامل مطلوب من أجل توحيد صفوف قوى التغيير والتجديد، لإسقاط وتغيير النظام القائم عبر انتفاضات شعبية سلمية عارمة.. أما أن يكون الحوار مع النظام الحاكم فذلك مضيعة للوقت وإهدار للجهد من غير طائل ولا جدوى.
والقضية ببساطة شديدة أن النظام القائم بسيطرته المطلقة على مؤسسات الدولة واستناده إلى أغلبية برلمانية ساحقة، وتحكمه بالمؤسسة العسكرية والأمنية، وسيطرته المطلقة على البلاد والعباد، يملك وحده القدرة الكاملة والحاسمة لمعالجة الاختلالات والأزمات، والقضاء على الفساد وبناء الدولة على أسس صحيحة وسليمة بسرعة الصاروخ، وبدون خشية من أي عواقب أو مخاطر محتملة على الإطلاق، لكنه لا يريد إصلاحا، ولا يرغب في التصحيح، ويستحيل إقناعه بإحداث إصلاحات جذرية ضرورية وملحة. إذن فما جدوى حوار سياسي معه؟ وما هي ضرورات ذلك الحوار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية؟
إن تكتل أحزاب اللقاء المشترك واللجنة التحضيرية للحوار الوطني بقواها ومكوناتها الواسعة والعريضة والقوية، باتت اليوم بعد النقلات النوعية المهمة التي أحدثتها في أساليب وأشكال ممارسة دورها السياسي الشعبي، تقف أمام مفترق طريقين لا ثالث لهما:
< فإما أن تواصل مهامها وحركتها الشعبية السلمية وتوسيع رقعتها وتصعيد تأثيرها وصولا إلى قيادة الجماهير على امتداد الوطن بكامله في ثورة شعبية سلمية عارمة وعصيان مدني شامل يفرض التغيير المنشود بقوة الشعب وإرادته الجبارة.
< أو أنها تنجر إلى دهاليز المساومات والصفقات الجزئية الباهتة، وبالتالي تفقد رصيدها الجماهيري الذي حققته حتى الآن، وتسقط مصداقيتها أمام الشعب، وتتلاشى وتضمحل وتنتهي كما انتهى الذين من قبلها، وقد تتجاوزها حركة الجماهير الخلاقة، وتفرز من بين صفوفها رموزها وقيادتها القادرة على تحقيق النصر ولو بعد حين.
هذا هو المحك.. وهذا هو الرهان.. والتاريخ لا يرحم.
13 يونيو 2010