كرة القدم اليمنية بوصفها ساحة للبيع والشراء!

كرة القدم اليمنية بوصفها ساحة للبيع والشراء!

إنه مشهد بالغ الخزي جعل عدداً من الأندية تغرق في متاهة البيع والشراء في نتائج بعض مباريات كرة القدم على مدى السنوات الفارطة، سواء في دوري الدرجة الأولى لكرة القدم أو حتى على مستوى دوري الدرجة الثانية، إلى درجة وصل معها الأمر أن ضاعت تلك المبادئ التي من المفترض أن تكون أساساً للعمل الرياضي القائم على أسس من التنافس الشريف
* سامي الكاف
انتهت الجولة الأخيرة من دوري الدرجة الأولى لكرة القدم بفضيحة مدوية من العيار الثقيل، حيث تم اغتيال المنافسة الرياضية المفترض أنها قائمة على أسس من التنافس الشريف بتلاعب فاضح في نتيجة مباراة فريقي الهلال وشعب إب، الخميس الفائت، وهي النتيجة التي مكنت الأخير من تفادي الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية على حساب فريق آخر.
وفي حين أشرتُ في مقال فائت إلى إمكانية حدوث مثل هذا التلاعب في نتيجة المباراة المُشار إليها سلفاً؛ قال أخيراً مدرب فريق الشعلة محمد عبدالله سالم إن هبوط فريقه إلى دوري الدرجة الثانية "تم بفعل فاعلـ"، مشيراً إلى أن "أمر بيع وشراء المباريات يتم العمل به نهاراً جهاراً من قبل الاتحاد العام لكرة القدم".
في الواقع كان تأكيدنا على هذا الأمر -غير السوي- في تقريرنا المنشور العدد الفائت في رياضة "الصحوة"، واضحاً حين قلنا إن متابعين رأوا أن المباراة المُشار إليها بعاليه ستشهد (شيئاً ما) لا يرتبط بأسس التنافس الشريف؛ وهو الشيء الذي اعتادت عليه فرق منذ فترة ليست بالقريبة، بحيث أصبحت لعبة كرة القدم في السنوات الأخيرة لا ترتبط إلاّ بما يُسيء إليها وإلى من ينتسب لها بالضرورة.
إنه مشهد بالغ الخزي جعل عدداً من الأندية تغرق في متاهة البيع والشراء في نتائج بعض مباريات كرة القدم على مدى السنوات الفارطة، سواء في دوري الدرجة الأولى لكرة القدم أو حتى على مستوى دوري الدرجة الثانية، إلى درجة وصل معها الأمر أن ضاعت تلك المبادئ التي من المفترض أن تكون أساساً للعمل الرياضي القائم على أسس من التنافس الشريف.
إلى ذلك، كان الزميل أحمد الظامري قال في مقاله الأسبوعي في "الرياضة" إنه لا يدري ما سبب تركيز الناس على المباراة الأخيرة في الدوري بين فريقي شعب إب والهلال، واتهام الهلال الساحلي بالتواطؤ لصالح بقاء الشعب في دوري الأضواء على حساب الشعلة وسلام الغرفة؟
وأضاف الظامري في هذا السياق قائلاً: "الحقيقة التي يعرفها الجميع ولا تحتاج لذكاء المحقق كولمبو أن البيع والشراء طال مباريات كثيرة سواء هذا الموسم أو المواسم السابقة. ولم يتوقف البيع والشراء عند حدود اتفاق الأندية مع بعضها البعض، بل بمباركة اتحاد كرة القدم ورعايته.. إذن، لماذا الاندهاش والاستغراب والتركيز فقط على مباراة الهلال والشعب فقط؟".
بالعودة إلى ما حدث في الجولة الأخيرة من دوري الأولى؛ كان فريق الشعلة لكرة القدم بحاجة ماسة إلى الفوز في مباراته الأخيرة في ضيافة فريق سلام الغرفة، وهو ما فعله بفوزه عن جدارة واستحقاق بهدفين دون رد، على الرغم من أن فوز فريق سلام الغرفة في الواقع كان كفيلاً بنجاته هو الآخر من الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية. لكنه مع ذلك هبط.
انظروا: الزميل قاسم البعيصي كان قال في سياق تعليقه على المباراة الفضيحة بين فريقي الهلال وشعب إب، على اعتبار كونه شاهداً على ما حدث على أرض الملعب: "إنها مباراة غريبة أثارت حفيظة الجماهير بوصفها مباراة ممسرحة".
يقول البعيصي في تحليله السالف ذكره والمنشور في "الرياضة" الأحد الفائت: "في مباراة غريبة وذات مستوى عادي جداً وهادئة كروياً وملتهبة جماهيرياً من حيث عدم القبول وغليان القلوب الساخطة والسافرة من ذلك الأداء الذي قدمه نجوم الفريقين الهلال وشعب إب، انتهت أحداثه الدرامية على ملعب العلفي عقب صافرة حكم اللقاء الدولي أحمد قائد ب4 أهداف مقابل هدفين، معلنة استمرار الفائز شعب إب المهدد بالهبوط في خوض دوري جديد مع أندية النخبة".
ويضيف البعيصي ليؤكد صدق ما ذهب إليه قائلاً: "المباراة كانت فعلاً غريبة وظهر فيها فريق الهلال بصورة عادية، رافضاً أن يكون لنجومه شأن في المباراة، حيث سجل فريق الشعب هدفي السبق خلال دقيقتين من زمن الشوط الأول عن طريق مروان جزيلان في الدقيقتين 10 و19، وأضاف زميله أكرم القضاب الهدف الثالث في الدقيقة 30 لينتهي الشوط الأول بتقدم الشعب بالثلاثة".
"ليأتي الشوط الثاني من المباراة بصورته التي لم يقتنع الجمهور بها، جمهور الكرة الساحلية وبعض جمهور الهلال الغاضب، وهي مستمرة بنفس المنوال لصالح الشعب الإبي. وليس هناك ما يقال عن وصف المباراة من الناحية الفنية والفرص الخطيرة سوى أنها سارت بطبيعتها المعهودة باردة" يقول البعيصي بوضوح تام.
يقول أمين عام مجلس الشرف بنادي سلام الغرفة عبدالسلام السودي إن ما حدث بين الهلال وشعب إب مهزلة ومسخرة كروية، بل هو "بيع وشراء مجاني عيني عينكـ".
السودي قال إنه "تأكد من تقديم الهلال هدية العُمر لشعب إب، وتسليمه النقاط الثلاث ليبقى العنيد في الدوري، ويتم التضحية بأندية اليرموك وسلام الغرفة والشعلة ووحدة عدن، الفرق التي لا يوجد لها ظهر ووساطة قويّة للبقاء، ودفعت التضحية الغالية من أجل عيون ترتيبات ما قبل اللقاءات وتنسيقات منتصف الليلـ".
في الواقع بدا السودي متأكداً وواثقاً مما ذهب إليه باعتباره كان هو الآخر حضر المباراة وشاهد أحداثها على أرض الواقع.
ولقد أضاف السودي في سياق تصريح نشرته "السياسية" أخيراً أن كرة القدم "تفقد حلاوتها وتضيع معانيها ومنافساتها الشريفة عندما تتحوّل اللقاءات إلى مسرحيات هزلية كروية تفوح منها روائح البيع والشراء الكريهة والعفنة عيني عينك أمام مرأى الجميع".
السودي لم يكتف بذلك؛ بل راح يشير إلى أن "فريق سلام الغرفة خسر على أرضه أمام الشعلة، وأضاع الفرصة من يديه؛ بسبب أن اللاعبين فور علمهم بتقدّم الشعب بثلاثية مبكّرة انهارت نفسيتهم، ولعبوا بدون تركيز وحماس، وأصبحت المباراة بالنسبة لهم 90 دقيقة أخيرة في دوري الأولى، لذلك من الطبيعي الخسارة، ولذلك فإن فريق سلام الغرفة تم تهبيطه عمداً وبطريقة فنية رفيعة، لكننا راضون بمصيرنا وقدرنا، فأحيانا لا تستطيع مواجهة 4 خصوم في توقيت واحد. لكننا وعينا الدرس واستفدنا، والهبوط في الملعب أشرف لنا من البقاء بمسخرة ومهزلة كانت مفضوحة أمام الجميع".
وفي حين طالب مدرب فريق الشعلة لكرة القدم محمد عبدالله سالم في "الرياضة" بعدم قتل طموح الشباب بمثل هذه الأشياء التي تُمارس في المسابقة دون حمرة خجل، كون الرياضة في الأول فوز وخسارة ومنافسة شريفة؛ تساءل الظامري في مقاله قائلاً: "ماذا يمكن أن نقول عن إصرار اتحاد كرة القدم على تعيين حكام بذاتهم لمباريات معينة، بالرغم من إثارة الشكوك حولهم في مباريات سابقة، سوى أن الاتحاد له ضلع وساق في هذه التواطؤات، وماذا يمكن أن نقول عن مباريات معروفة نتائجها سلفاً سوى أنها مباريات غير نظيفة إطلاقاً، وشخصياً أقول إن تدخل الاتحاد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تحديد هوية الفرق الهابطة أو الصاعدة أو تحديد بطل الدوري ليس في صالح الاتحاد نفسه، لأن الأمر مرتبط بإضعاف حدة التنافس بين الفرق وقتل المعاني السامية للرياضة أرقى أنواع النشاط البشري".
هذا صحيح، لكن الدوري شهد أيضاً تأجيل عدد من المباريات لفرق بعينها مثل التلال والهلال وأهلي صنعاء، بعضها جاء دون مبرر، في حين بدت المسألة ليست غير التحايل الصريح على أسس التنافس بين الفرق، وهي عادة أصبحت من سمات الاتحاد العام لكرة القدم منذ أن رأسه أحمد العيسي.
ركزوا أنه ابتداء من الموسم القادم سيتعين على الاتحاد العام لكرة القدم تطبيق دوري المحترفين بحسب الشروط والمعايير التي يُطالب بها الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، بحسب ما صرح به وأكد عليه الأمين العام للاتحاد اليمني لكرة القدم حميد شيباني.
لاحظوا -أيضاً- أن الوضع المالي لهذه الأندية، مثلما أشرنا إلى ذلك في مقال سابق، لطالما كان وما زال يثقل كاهلها تماماً بسبب شحة المخصصات المالية وعدم توفر بدائل أخرى في ظل اضطراب إداري في معظمها؛ وفي بعضها الآخر يظهر للمرء المتابع العجب العجاب، إذ تبدو الأمور المالية محل علامة استفهام من العيار الصاعق، فهل من المعقول مثلاً أن تصرف إدارة مؤقتة غير شرعية كإدارة التلال الحالية ما يقارب 300 مليون ريال في أقل من عام..؟!
غير ذلك؛ انظروا وحسب إلى الحقيقة التالية التي سبق وأكدنا عليها في العام الفائت: "ما زال يغيب عن المشهد الكروي أية إحصائيات رسمية تدل على وجود أندية تمتلك مؤهلات طبقاً لمواصفات الاتحاد الآسيوي لكرة القدم".
وغير ذلك؛ قبل انطلاق موسم كرة القدم الحالي الذي انتهى أخيراً الأسبوع الفائت، كان الجميع يعلم أنه يتوجب على الأندية اليمنية تطبيق بعض المعايير الاحترافية الجديدة في دوري الدرجة الأولى ابتداء من الموسم 2009/2010.
ولقد تعاظم مثل هذا الشعور فور ظهور شخصيات جديدة على مسرح قيادة الاتحاد العام لكرة القدم، مثل فتحي عبدالواسع هائل وجمال حمدي، يُعوّل عليها الشيء الكثير؛ غير أنه ما من مؤشرات تدل على حدوث تغيير ما نحو الأفضل، على العكس: بقي كل شيء على حاله. بل بالنسبة إلى الإعلامي المعروف محمد سعيد سالم، فإن الأمر أكثر ظلمة.
يقول سالم: "نفاخِر بأن لدينا صالات وملاعب، تنتشر في كل المحافظات، ورغم ذلك، تعاني الرياضة في بلادنا، من العقم في إنتاج الأبطال، وصناعة الإنجازات، وفقاً للمعايير الدولية، المعترف بها في عالم التفوق والإنجازات، ولدينا أكبر عدد من الأندية الرياضية، بالمقارنة مع دول أكبر وأغنى: مادياً وبشرياً! ومع ذلك، مع الدعم الذي يأتي الأندية من كل مكان، ما زالت عاجزة عن إنتاج البراعم والموهوبين والمبدعين، وعاجزة عن تقديم خدمات حقيقية ونوعية للشباب والرياضيين".
أما في ما يتعلق بكرة القدم فيقول سالم في مقاله المنشور في "ملاعبـ": "لدينا صراخ مزعج لا شبيه له على ملاعب كرة القدم، ومسابقات لا ينافسنا عليها أحد من حيث العدد! لكن حصيلتنا منها هي الأسوأ على مستوى المنطقة، والعالم العربي، والقارة الآسيوية.. والعالم".
يشار إلى أن فريق الصقر حقق لقب دوري الدرجة الأولى لكرة القدم برصيد 52 نقطة حصدها من 16 انتصاراً و4 تعادلات فيما خسر 6 مباريات، في حين جاء فريق التلال في المركز الثاني برصيد 47 نقطة حصدها من 14 انتصاراً و5 تعادلات وخسر 7 مباريات، وحل فريق شباب البيضاء لأول مرة في تاريخه بالمركز الثالث برصيد 44 نقطة حصدها من 14 انتصاراً وتعادلين في حين خسر 10 مباريات.
وهبطت فرق الشعلة (30 نقطة)، وحدة عدن (28)، سلام الغرفة (27)، واليرموك (18) إلى دوري الدرجة الثانية.
اللافت للنظر أن الدكتور عبدالملك بانافع كان طلب من الاتحاد العام لكرة القدم إلغاء الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية؛ الأكيد -بحسب متابعين- أن مطالبة بانافع بإلغاء الهبوط جاءت بدافع أن الاتحاد العام لكرة القدم كان في الموسم الفائت توّج فريق الهلال بطلاً لدوري الدرجة الأولى لكرة القدم بقرار ثار حوله جدل ساخن، كونه حدث لأول مرة في تاريخ كرة القدم اليمنية التي أصبحت ساحة للبيع والشراء كما هو موضح بعاليه.