عن قرارات الرئيس المعطلة على الدوام

عن قرارات الرئيس المعطلة على الدوام

* عبدالرشيد الفقيه
منذ إعلان الرئيس في 22 مايو المنصرم عن قراره بالإفراج عن "جميع" المعتقلين على خلفية الحراك السلمي الجنوبي وحروب صعدة والصحفيين، وكثير من الزملاء في العديد من المنظمات الدولية والناشطين والمهتمين، يتابعون الأمر بجدية واهتمام بالغين، وتوالت إثر ذلك الإعلان الهام الاتصالات والرسائل لمتابعة مساره ومدى تنفيذه فعلياً.
ومن أول رسالة تلقيتها كانت إجابتي أننا كنشطاء محليين لازلنا نترقب تنفيذ تلك التوجيهات مع الكثير من التفاؤل، كون التوجيهات الرئاسية الجديدة كانت واضحة وصريحة وعلى الملأ ومترجمة أيضاً، وفي مناسبة هامة، بعكس التوجيهات السابقة التي كانت توجيهات خطية حملها ذوو المعتقلين من مسؤول إلى آخر، ومن جهة حكومية إلى أخرى، ومن جهاز أمني إلى آخر، وكلها عطلت ولم تأخذ طريقها إلى التنفيذ حتى اليوم.
نحتفظ كمنظمات حقوقية محلية، ومعنا عدد كبير من أهالي المعتقلين، بعدد كبير من تلك التوجيهات الرئاسية الصريحة المتضمنة أوامر من رأس الدولة والمسؤول الأول فيها لأجهزته الأمنية بالإفراج عن جميع المعتقلين، وبجوار إمضاء الرئيس عدد من توقيعات كبار مسؤولي الدولة أمنيين ومدنيين. وبرغم كل تلك القرارات والتوجيهات والإمضاءات لم تنفذ مع أنها لو نفذت فإنها كانت ستصحح أخطاء الأجهزة الأمنية وممارساتها غير المسؤولة تجاه قضايا حساسة، والتي لم تفعل أكثر من توسيع الشرخ الذي خلفته أزمتا صعدة والجنوب، وتوسيع دائرة الاحتقان والغبن، ولا أدري لمصلحة من يحدث كل ذلك!
جميع تلك التوجيهات والأوامر الرئاسية لم تكن تتجاوز صدر الصفحات الأولى في الصحف الرسمية، بينما يتم التعامل معها فعلياً بشكل مسيء لمركز رئيس الدولة وقراراته، وتُلصق تلك الطريقة في التعامل مع القرارات الرئاسية السمعة السيئة بمركز رئيس الدولة وكل ما يصدر عنه في الذهنية العامة، فكلما صدر قرار أو مشروع مبادرة أو خطاب من الذات الرئاسية، يتم استقباله بأقسى عبارات السخرية والتشكيك، ولا أدري لمصلحة من يحدث كل ذلك أيضاً!
ويوشك أن يكون هناك شبه إجماع بأن كل قرارات الرئيس تعطل باستثناء قرارات الصرف وما إليها من القرارات.
نشاهد ماراثون رهانات بعد كل قرار أو توجيه رئاسي أو مشروع مبادرة بين فريقين في العادة: فريق يجزم بأن القرارات الرئاسية مجرد طلقات "فشنج" يقصد الرئيس ويدرك (فشنجيتها). ولدى هذا الفريق مبررات كثيرة أهمها العدد الهائل من القرارات الرئاسية المعطلة، التي صدرت في الكثير من القضايا خلال الفترة الماضية، والتي لو كان الرئيس قاصداً من إصدارها إنفاذها لحاسب كل من يعطلها جهات أو أشخاصاً، ولسعى بنفسه لمتابعتها وإنفاذها.
والمفزع من مبررات هذا الفريق أنه يرى أن الرئيس حتى لو كان صادقاً في قراراته، فإنه لم يعد لديه القدرة على إنفاذها، وأن تلك القرارات تتعثر بين أزقة مراكز قوى هي الحاكم الفعلي للبلد، وهي الوحيدة القادرة حالياً على إنفاذ قراراتها وأجندتها، حتى وإن كانت مناهضة لقرارات الرئيس وأجندته. وهذا الفريق في الرهان هو الرابح دوماً حتى الآن.
الفريق الثاني في الرهان يرى أن الرئيس أدرك حجم الكلفة الباهظة التي يدفعها البلد الذي يقف على رأسه، جراء الانتهاكات الخطيرة التي تباشرها أجهزته الأمنية المختلفة خلال الفترة الماضية، وأدرك أن النتيجة الوحيدة لانتهاك الدستور والقانون والانتهاكات الخطيرة التي طالت المئات من المواطنين، وحدها التي تهدد أمن واستقرار هذا البلد وسلمه العام، بل ويعتقد هذا الفريق أنه في أسوأ الاحتمالات، حتى وإن كان الرئيس لا يهمه السلم العام في البلد، فإنه قطعاً قد أدرك أن توسيع دائرة الانتهاكات واستمرارها سيفت من أرضية الكرسي الذي يتربع عليه منذ ما يزيد عن 30 عاماً. وبكل أسف تضعف حجة هذا الفريق كلما ابتعدنا يوماً بعد يوم عن قرار 22 مايو الذي لم ينفذ فعلياً حتى اليوم مع استثناء محدود جداً.
شخصياً أتمنى أن يكون الرئيس قد أدرك المأزق الذي دخله البلد وحجم الاحتقان الذي صار إليه بفعل الكثير من الأسباب؛ على رأسها انتهاكات واسعة مخالفة للقانون والدستور باشرتها أجهزة الدولة المختلفة، وأن يكون قد أدرك أيضا في ما أدرك أن لا سبيل لإصلاح مسار هذا البلد إلا بالعدالة والانتصاف لكل ضحية طاله أي انتهاك بأي مستوى من أي منتهك مهما بلغت مرتبته. وما لم يكن الرئيس قد وصل إلى هذه القناعة، فإن غيمة الأزمة ستمتد طويلا.
ويقف على رأس خطوات إحقاق العدالة قطعاً وحلحلة الأزمة إنفاذ قرار 22 مايو المعطل حتى الآن، بالإفراج عن جميع معتقلي الأزمة في صعدة والجنوب، بمن في ذلك من يحاكمون أمام المحاكم الاستثنائية.
وهي خطوة أولى ينبغي أن تتبعها خطوات أخرى كثيرة، تنهي الانتهاكات وما يفضي إليها، وهذا برأيي واحد من أهم المداخل لحل المشكلة اليمنية المتفاقمة.
وإنا لمنتظرون..
[email protected]