من جنوب لبنان إلى سجون صنعاء

من جنوب لبنان إلى سجون صنعاء

* محمد شمس الدين
في الوقت الذي اتجه عشرات الآلاف من الشباب للجهاد في أفغانستان، لتحرير فلسطين عبر كابول، في ثمانينيات القرن الماضي، اتجه الشاب اليمني بجاش الأغبري إلى لبنان للالتحاق بالمقاومة الفلسطينية واللبنانية لتحرير الأراضي العربية المغتصبة من قبل الكيان الصهيوني الغاشم،  الذي مارس ومازال يرتكب أبشع الجرائم الإنسانية.
كان الشاب اليمني وثلة من رفاقه  أذكى من الأنظمة العربية وعشرات الآلاف ممن صدقوا أن تحرير الأراضي العربية سيتحقق عبر كابول، فانشغلت الأنظمة العربية في حشد الشباب لمحاربة الشيوعية وإسقاط الاتحاد السوفيتي الذي كان من المناصرين للقضايا العربية  وحقوق الشعب الفلسطيني. وفيما تحررت كابول من الغزو السوفيتي حل محله الغزو الأمريكي بكل بشاعته، وزادت سيطرة العدو الصهيوني وهمجيته، وتحولت الجيوش العربية في البلدان المجاورة إلى شرطي لحماية أمن إسرائيل، والمجاهدون الأفغان إلى إرهابيين.
بجاش الأغبري رغم صغر سنه آنذاك، وعدد محدود من الشباب العربي هم من نجوا من وهم وأكذوبة أن تحرير الأراضي العربية والمقدسات الإسلامية لن يكون إلا عبر كابول، فذهبوا لمقاتلة العدو الصهيوني في الجنوب اللبناني والأراضي الفلسطينية، قبل إحكام الأنظمة العربية السيطرة على الحدود الفلسطينية لحماية أمن إسرائيل، في ظل القطب الواحد.
ورغم نجاة بجاش من تلك الأكذوبة وعودته إلى موطنه اليمن، بعد إصابته أثناء قيامه بعملية فدائية ضد العدو الصهيوني في الجنوب اللبناني، وتحول رفاقه في الجهاد إلى شخصيات لها مكانتها في بلدانهم، غير أن بجاش لم ينجُ من حكم بسجن لمدة 20 عاماً قضى منها 16 عاماً. حكم لم يراعِ صواب تفكيره المبكر ونظرته الثاقبة وموقفه النضالي ضد العدو الصهيوني الذي يتقافز القادة العرب للتنديد بجرائمه بين الحين والآخر.
خطأ بجاش الأغبري وقيادته مجموعة من الجنود وتحريره عدداً من المساجين في محافظة المهرة عقب حرب 94، وتمرده لن تكون أكبر من أخطاء القادة العرب الذين جيشوا شعوبهم للجهاد في أفغانستان وإسقاط الاتحاد السوفيتي سابقاً، أو الذين يحمون اليوم حدود إسرائيل التي شارك بجاش الأغبري في إرغامها على الخروج من لبنان.
يدرك المقربون من الرئيس صالح وأصحاب العقول السليمة، ومن يعرفون المواقف القتالية لبجاش الأغبري، وتوسل عميد الأسرى في السجون الإسرائيلية لدى الرئيس صالح بالعفو عنه، أنه من غير المنطقي أن يظل في سجنه في حين أن الخطاب الرئاسي في الأعياد الوطنية والدينية لا يخلو من الحديث عن القضية الفلسطينية وضرورة التصدي للعدو الصهيوني ودعم المقاومة، وأن استثناءه من العفو الرئاسي الذي شمل أشخاصاً تكررت جرائمهم وتعدد ضحاياهم في الأرواح والمقدرات الوطنية، دون أن يلحقهم أي عقاب أو يقدموا أي اعتذار، ينفي عن الحاكم صفة التسامح والمواقف الإنسانية التي يتغنى بها المقربون منه، ويؤكد أن مبادرات العفو العام المتكررة ليست إلا ضرورة تفرض على النظام،خاصة وأن بجاش الأغبري قدم اعتذاره ونشرته العديد من وسائل الإعلام.
mshamsaddinMail