فرصة النفاذ..

فرصة النفاذ..

* منى صفوان
في سطرين موجزين يقدم خطاب سياسي بروتوكولي، فرصة شرعية، للحزب اليمني الأعرق، للنفاذ من تحت عباءة الإصلاح.
فحين يحين موعد الاحتفال بعيد الوحدة ال20، ويتضمن الخطاب الرسمي عشية المناسبة، دعوة للحوار مع "شريك صانع الوحدة"، فإنها جملة تحترم في الوقت المناسب، حزباً بحجم "الاشتراكي".
وإن كانت هذه الدعوة ليست دعوة خاصة، تقدم للاشتراكي، وحيدا، بمعزل عن شركاء السياسة، فإنها (وهذا الأفضل) دعوة تقدم له منفردا، كحزب قائم بذاته، حزب له تاريخ، والأهم كحزب له حق الوجود في الخارطة السياسية اليمنية.. منفردا.
وهي كذلك دعوة تلتفت لشريك "الدفاع عن الوحدة"، الإصلاح، الذي حاز على هذا اللقب، بعد أن خاض حربه الأيديولوجية المقوضة، قبل أي حرب أخرى ضد الاشتراكي، مستهدفا منظومته الفكرية.
والإصلاح، ليس جديدا عليه التحاور منفردا، ولكنه يحصل هذه المرة على دعوة شرعية لفعل ذلك.
فقبل هذه الدعوة كان يقدم نفسه منفردا، على طاولة حوار المؤتمر، أو بالأصح "الحزب الأكثر قوة وتأثيرا في اللقاء المشترك وصاحب القرار الأخير".. هذا ما كان يدور في الوسط السياسي، متزامنا دائما مع إنكار الاشتراكي والخطاب الرسمي للمشترك.
الآن، هناك دعوة شرعية، للحوار لكل حزب على حدة: حزبي المشترك.. وهي ليست دعوة حوار مع المشترك، وإن نظر لصياغة الدعوة بعين المصالح السياسية، فإنها صياغة تكتيكية، لتفرق الحزبين الأقوى تأثيراً "فقط" في خارطة الأزمات السياسية المتلاحقة.
وهي تضمن للمؤتمر، الحوار مع شركائه السابقين كل على حدة، دون الاعتراف بوجودهم في كتلة سياسية واحدة، كانت تود دائما انتزاع الاعتراف بها كقوة أمام المؤتمر، مما كان يؤثر في العمق على قوة الاشتراكي، كونه دائما الحزب الأقل تأثيرا في كتلة المشترك، ثم في دائرة التشاور الوطني، لأسباب تتعلق مباشرة بما حدث له بعد الحرب.
لينصاع مكرها لطريقة الإصلاح في إدارة التشاور الوطني بعد ذلك، ومؤخرا لوثيقته الإنقاذ الوطني، التي من خلال نظرة عامة تبدو التطور السياسي الطبيعي لكيان المشترك..!
لكن، بغوص النظرة في العمق، والتفاصيل، يظهر التشاور الوطني، أنه الترجمة العملية لتسلط الإصلاح، وشيوخه، على الكيان السياسي، الذي أطلقه الاشتراكي، وأراده تجربة سياسية أيديولوجية فردية، لم تعد كذلك بعد اغتيالها بجار الله عمر.
هنا، ينصاع الاشتراكي لأهمية بقاء المشترك على قيد الحياة، وتبدو الفكرة النظرية للمشترك تجربة تستحق الاهتمام والتطوير ليس فقط على مستوى اليمن، بل على مستوى العالم العربي، المحتاج لبادرة وجود الفكرة الفلسفية عن الإسلام الليبرالي "اليمين اليساري" كتطبيق سياسي عملي لها، وهي تجربة لم يُكتب لها النجاة، بعد ما حدث من تشويه لها.
وهنا لم تعد فكرة المشترك النموذجية تخدم بقاء الاشتراكي، ومن حقه إذن، أن يستجيب لدعوة شرعية، تبيح له التواجد منفردا ومن جديد على الساحة في مشروع جديد، اسمه "الحكومة الوطنية".
وفي مرحلة، أصبحت الأزمة السياسية، تبيح القفز على منطق التشريع الدستوري، فليس من المنطق التعنت بشأن هذه الدعوة الصريحة، ولا أخذها بطريقة "سوء النوايا المسبق" وإهمال التجربة.
ودون إهمال لدوافع المؤتمر، فالمؤتمر لا يشعر بتأنيب الضمير لإقصائه شريكه الوحدوي، لأنه ليس في السياسة عواطف. فمصالح السياسة تقول إنه لم يعد لدى المؤتمر قدرة البقاء وحيدا، في القمة، لأن كل الأزمات والحروب والكوارث السياسية، جاءت بعد الانفراد بالسلطة، وهو بدعوته للحوار وللحكومة الوطنية، يقر بذلك.
وبدون التعنت المتعارف عليه، تجاه شخص الرئيس، فإن هناك حكمة في معالجة الأمر دائما بالحوار، والرضوخ له طواعية أو كرها، وإن كان يأتي بعد كل كارثة.. دموية. فإن الرئيس لا يكف عن مواصلة دعوته للحوار، الحوار الذي يتوقع أن يقابل دائما، بتعنت ورفض ومساومة وشروط، لم تعد مقبولة الآن.
وأيضا، بدون ادعاء البطولة، فالمؤتمر -ممثلا بالرئيس- مضطر لقبول الأطراف غير المؤثرة كثيرا في الشارع، وضئيلي النسب البرلمانية، كشركاء من جديد.. بشكل ما.
فالمؤتمر الحزب، لن يدوم له الحال في يمن الصراع، وكذلك الرئيس، ومن مصلحته، البقاء طويلا للحفاظ على المصالح، وهذه هي شرعية السياسة، التي تجيز ما لا يجاز، مثل: تشكيل حكومة ائتلاف وطني، مع أحزاب ضعيفة، لا قاعدة جماهيرية لها، بحسب نتائج الانتخابات، ولا قوة حقيقية لها في الشارع المضطرب، بالذات الجنوبي. حكومة تنقذ مصالح المؤتمر وأحزاب المعارضة معا.
إنها دعوة، تنقذ الاشتراكي من إمكانية البقاء وقتاً أطول، تحت عباءة الإصلاح، وورطة التشاور، و.. سلطة حميد.
ياسين سعيد نعمان
إن انفراد المؤتمر بكل كيان سياسي على حدة، يفتت قوة حميد الأحمر السياسية، المرتكزة على كيان المشترك والتشاور الوطني لاحقا، والتي يريد بها مواجهة قوة المؤتمر، ككيان، ومواجهة حملة رئاسية مبكرة، لرئاسة اليمن.. ليحصل على الأغلبية الشرعية، كزعيم للمعارضة، وهنا يكون الاشتراكي أقرب للمؤتمر، كون قياداته في الداخل أبعد ما تكون عن فكرة المواجهة الندية، وقربها من هدف الاشتراكي كحزب، والعودة به كشريك سياسي في إدارة الحكم.
فالاستجابة لدعوة تبدو جادة، وأخذها بعين الجد، ينقذ شخصية الحزب، وقياداته السياسية التي تنال احترام كل أطياف السياسة اليمنية، وجديرة دائما بالاحترام، كونها استطاعت إنقاذ الاشتراكي، بالطرق الممكنة، حتى وإن لم تكن دائما تصب في خانة المصلحة الآنية، وإن أتت أحيانا على حساب استقلال قرار الحزب.
فهنا، ياسين سعيد نعمان، الرجل الذي عاد لليمن، لينقذ تركة اليمن الأهم، الممثلة في الحزب، الذي يعول عليه حماية الكتلة اليسارية، لحماية توازن اليمن، بحنكة السياسي وحكمة الأكاديمي، وبعد نظر المثقف.
فحكم ياسين الاشتراكي، بطريقة تحميه. وحان الوقت ليصل الاشتراكي لمقعده، لمكانه، لكرسيه. وحكم الرئيس لليمن، عليه أن يذيل دائما بالحوار، لأن هذا ما يحميه وكرسيه.
والحوار، دعوة قدمت مستقلة للاشتراكي، واحترمت استقلاله، واستقلال قراره، ومن حقه وحده أن يقبلها أو يرفضها. كما أن من واجبه أن يفكر فقط في مصلحة القوة الأهم في تاريخ اليمن السياسي المعاصر، والمسؤولة عن توازنه، لأن هم الاشتراكي دائما كان، المستقبل السياسي لليمن.