في "محوى" المهمشين بأمانة العاصمة.. معاقون ينتظرون صحوة ضمير الحكومة لإنقاذهم من المأساة

في "محوى" المهمشين بأمانة العاصمة.. معاقون ينتظرون صحوة ضمير الحكومة لإنقاذهم من المأساة

لعلها المرة الأولى التي تزورهم فيها صحيفة يمنية وربما عربية وتتلمس همومهم وقضاياهم ومعاناتهم، لا، بل تسمع إليهم وتعد بنشرها على الملأ علَّها تصل إلى آذان الحكومة التي طالما صمَّت آذانها وجعلت في الأولى طيناً وفي الأخرى عجيناً.
ثمة معاقون محرومون من أبسط حقوقهم الإنسانية، بل ربما ما هو أبسط من ذلك؛ إذ لا كراسي تساعدهم على الحركة وليس ثمة أماكن أصلاً ليستطيعوا المشي فيها في أماكن عيشتهم التي تسمى مجازاً أماكن صالحة للعيش.
وليست الكراسي وحدها ما ينقص المعاقين فإن كثيراً من الأساسيات لا يحصلون عليها مثل الأكل والشرب والبيئة النظيفة وكثير غيرها، فهم لا يحصلون على ما يكفيهم وما يسد رمقهم، وليس ثمة ماء نقي يستطيعون شربه أو استخدامه في حياتهم المعيشية. إنها مأساة إنسانية كبيرة حرمت عشرات المعاقين من العيش الكريم ناهيك عن عدد الساكنين الذين تجاوزوا خمسة آلاف شخص بينهم ما يزيد على مائة وخمسين معاقاً سمعنا بعضاً منهم ورصدنا جزءاً من معاناتهم وأناتهم ولم نفارق مكانهم إلا مصدومين من هول ما شاهدناه وما لم نشاهده.
(محوى المهمشين)، في وسط العاصمة صنعاء يتبع مديرية معين، لكن العاصمة التي وجد على ظهرها هذا المحوى لم تستطع أن تحفظ لهم كرامتهم وإنسانيتهم: لا صحة ولا تعليم ولا تأمين صحي ولا أي شيء آخر..
ثمة مآس هنا استطعنا أن نرصدها لنظهر للمعنيين ومن يحملون ضمائر إنسانية حية أن إخواناً لهم يموتون ببطء وعلى مرأى ومسمع من الجميع، ونستطيع هنا أن نوجه صرخة إنسانية للحكومة لإنقاذهم ولمنظمات المجتمع المدني والمعنية بحقوق الإنسان وحقوق المعاقين علَّها تجد من يساعدهم ويمد يد العون لهم لانتشالهم من وضعهم الذي بات خطراً ولا يحتمل تأخير المساعدة وتقديم العون.
هنا رصد لبعض حالات المعاقين من الجنسين في "محوى" المهمشين في قلب أمانة العاصمة، ولطالما مر الجميع من أمامه، لكننا جميعاً لا نلقي بالاً لأناس من أبناء جلدتنا يموتون.
 

- حمامة صالح (20 عاماً) شابة معاقة تعاني من شلل دماغي، إضافة إلى أنها لا تستطيع الكلام ولا تستطيع السمع (صماء بكماء) ليس ثمة من يهتم بحالتها الصحية ناهيك عن حالة الإعاقة التي تعاني منها منذ طفولتها. هي كغيرها من اليمنيين ليس لديها تأمين صحي، وتحصل على ألف ريال شهرياً يقال إنها ضمان اجتماعي تأتي كل ثلاثة أشهر. ثلاثة آلاف ريال لا تكفي حتى لشراء العلاج ناهيك عن تأمين بقية متطلباتها المعيشية وما أكثرها. تعيش في بيت صغير ومقومات الحياة تكاد تكون منعدمة إلا من أربع جدران قد لا تقي من حر الصيف وبرد الشتاء وأمطار الصيف التي تجعل حياتهم في نكد دائم، لأن ليس ثمة تصريف للمياه وهو ما يشكل خطراً عليهم، ويتمثل في انتشار الأمراض والأوبئة وما تسببه الرطوبة، وهو ما يجعل الأمراض مستفحلة عند إخواننا الذين يوسمون بـ«المهمشين»، وهم كذلك لأن مقومات الحياة لديهم ليست موجودة.
وكغيرها ليس ثمة مصدر دخل لديها يساعدها على العيش بأبسط حياة، ولا طموح لديها لأن تعيش عيشة الرفاهية لأنها ببساطة لن تحصل عليها إلى بمعجزة أو صحوة ضمير من قبل الحكومة التي مات ضميرها منذ عقود.
- حمامة علي، هي الأخرى معاقة لكنها في الثمانين من عمرها –حد قولها- لديها من الأولاد خمسة عشر ولداً بعضهم اصم وابكم، وبنت تعاني من شلل نصفي.
حمامة علي لا تختلف عن حمامة صالح فهي تشترك معها في كثير من المأساة والمعاناة، لكن لا أحد من المعنيين بشؤون المعاقين يعرف عنها شيئاً وإن عرف فبالتأكيد لن يقدم شيئاً يذكر.
- سعيد حسن (80 عاماً) معاق حركياً، لديه أربعة أولاد، وينقصه كثير مما يساعده على المشي والحركة، ولأنه من فئة (المهمشين) فإن لا أحد يأبه له ولصحته ولا حتى لطريقة عيشه التي لا تليق بإنسان، وهو وغيره يموتون ببطء وتحت سمع وبصر الحكومة وكل المجتمع.
- كرامة أحمد هي الأخرى كبيرة في السن ولديها ولدان وتعاني من شلل كلي، هذه تختلف عن الحالات السابقة، فهم يعيشون في كوخ من الصفيح وليس لديها أي مصدر دخل من أي جهة كانت، وليس لديها رعاية صحية أو حتى ضمان اجتماعي وإن كان فتاتاً؛ لكن حتى هذا الفتات لم تستطع أن تحصل عليه.
- عبدالله أحمد تجاوز خمسة عقود، معاق ويعاني من عجز كلي. متزوج ولديه خمسة عشر ولداً ولا يمتلك أدنى مقومات الحياة فهو يعيش على ألف ريال فقط تصرف له من الضمان الاجتماعي، ولديه بيت متواضع يعيش فيه وأولاده.
- نعمة محمد (37 عاماً) لديها ثلاثة أولاد. معاقة ومصابة بمرض التيفوئيد وورم في الظهر وألم في الركبة ولا تجد من يعالجها. لا تستطيع فعل شيء وتعاني من كل شيء. باختصار شديد: لا شيء يساعد هنا على الحياة بشكل إنساني وبما يحلم به كل الناس. وتلك مأساة إنسانية قد لا توجد إلا في محوى المهمشين وفي أمثاله في صنعاء وفي بعض المحافظات وعلى نفس هذه الفئة التي تركها المجتمع دون حتى الحديث عنها أو مساعدتها.
- يحيى صالح تجاوز السبعين. معاق ويعاني من شلل نصفي ويتقاضى ألف ريال فقط من الضمان الاجتماعي ويعيش في غرفة واحدة إيجار مع طفلين هم كل ما يملك. يعاني أيضاً من فقر مدقع مثله مثل بقية أفراد أسرته وأبناء جلدته.
- أحمد علي (21 عاماً) لديه من الأولاد والأخوة عشرة. معاق ويعاني من خمول في العصب في الرجل اليمنى. مثله مثل غيره لديه ألف ريال من الضمان الاجتماعي ويمتلك بيتاً صغيراً، هو لا يعمل ولا يستطيع أن يعمل. من يعمل في أسرة أحمد هي والدته، وهو ما زاد الفقر في أسرته وفي الساكنين في محوى المهمشين البالغ عددهم أكثر من خمسة آلاف شخص يقبعون في المحوى ينتظرون من يتكرم عليهم بأي شيء ولا من كريم او صحوة ضمير من حكومتهم.
نحن على أبواب انتخابات رئاسية ومحلية ويتوقع إخواننا المهمشون أن يزورهم المرشحون؛ فهم يشكلون رقماً كبيراً في سجلات قيد الناخبين، ولطالما رجحوا مرشحاً على آخر وغيروا الفوز إلى هزيمة والعكس، ولذلك فالجميع يتسابق على أصواتهم ولم يتسابق أحد في إعانتهم وإنقاذهم من عيشتهم التي أصبحت مأساة بكل المقاييس.
إن المهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة في ازدياد يومياً ولا أحد قدم أو يقدم لهم شيئاً باستثناء منظمة " كير" ومنظمة «ميلانيوم» الأجنبيتين اللتين عملتا على دعم (المهمشين) ولم تقم أي منظمة محلية ولا الحكومة اليمنية على إنقاذهم.. إنهم بحاجة إلى أن يستيقظ ضمير حكومتهم الذي مات منذ سنين وظل إخواننا المهمشون محرومين من كل شيء وربما يظل وضعهم هكذا حتى يحصلون على معجزة لانتشالهم وإنقاذهم مما يعانون منه فهم يموتون ببطء دون أن تستيقظ إنسانية المجتمع ومن قبله الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والمعنية بحقوق الإنسان وحقوق المعاقين ولا أحد يستطيع أن ينقذ حياة مجتمع أوشك على الموت وعلى مرأى ومسمع من الجميع وفي وضح النهار.