مقصلة الصحافة

مقصلة الصحافة

محمد الغباري
للأسبوع الثالث على التوالي والزميل حسين اللسواس خلف قضبان السجن المركزي بناء على حكم أصدره قاضي محكمة الصحافة منصور شايع، وقضى بمعاقبته بالسجن لمدة عام ومنعه من الكتابة إلى ما شاء الله، بعد أن أدانه بتهمة إهانة موظف عام، وهذا الموظف هو محافظ البيضاء ومدير الكهرباء فيها.
عشية النطق بالحكم كان الزميل قلقا ومؤمنا بأن جهات عدة تريد أن تصفي حساباتها مع كتاباته، وأن هذه القضية ستوفر لهذه الجهات الفرصة المواتية للانتقام منه، لكني وأن شاركته القلق كنت أمنيه بأن الفساد الذي يمتد بطول البلاد وعرضها، بات يشكو منه الجميع، بمن فيهم رئيس الجمهورية، وإن ما كتب عن الفساد في محافظة البيضاء، أصبح من ضرورات محاربة الفساد.. بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين أقنعته بأن تهمته أخف من التهم الموجهة لبقية الزملاء، مثل تهم المساس بالوحدة والإساءة لشخص رئيس الدولة.
ما إن دخلنا قاعة المحكمة حتى انتشر أفراد الشرطة القضائية، وعلى غير عادتهم، في أركان القاعة، وهو ما بين لنا أن زميلنا سيواجه عقوبة الحبس التي ألفت محكمة الصحافة إنزالها تباعا على الصحفيين والكتاب، وهي الأحكام التي تنفذ فورا ومن داخل القاعة. وذلك ما تم.
القاضي في حكمه استند إلى قانون العقوبات، وأدان الزميل بتهمة إهانة موظف عام، وهو يؤكد ما سبق أن شكونا منه من أن قانون الصحافة النافذ فتح الأبواب أمام القضاة لمحاكمة الصحفيين في أي قانون يريدون، ولكن هذا الحكم وغيره من الأحكام أسقطت الحجج التي كان البعض من زملائنا يستندون عليها في تأييدهم للخطوة الحكومية بإنشاء محكمة خاصة بالصحافة.. وتعزز اليوم موقفنا الداعي إلى إسقاط هذه المحكمة، مسنودين بإرادة جماعية داخلية وخارجية بأنها مقصلة جديدة للصحافة الحرة والمستقلة.
لاحظوا أنه وبعد 5 أشهر تمكن الكاتب معاذ الأشهبي، وبعد جهود تستحق الثناء من زملاء محسوبين على السلطة، من استئناف الحكم الذي صدر بحقه، ونحن الآن في الأسبوع الثاني والقاضي لم يكتب الحكم الذي سجن بموجبه الزميل حسين اللسواس، وقاضي الاستئناف لن يبت في طلب وقف تنفيذ الحكم الابتدائي إلا متى تسلم أصل الحكم وأصل الطعن المقدم من محامي الدفاع مشفوعا برد النيابة على ذلك الطعن، ولكم أن تقولوا لي متى سيتم ذلك.
كان الزميل اللسواس تعرض للاختطاف من قبل مرافقي محافظ البيضاء، وتعرض للضرب في باحة منزل المحافظ المبجل، ومن ثم أودع السجن في محافظة البيضاء لمدة أسبوع، قبل أن يتدخل رئيس الجمهورية لإطلاق سراحه، وها هو اليوم، وبعد نحو عام على ذلك الاعتداء، يعاقب بالحبس، فيما خاطفوه طلقاء وسعداء بما صدر عن محكمة الصحافة.
قبل أيام، ومن خلف قضبان السجن المركزي، تحدثت إلى الزملاء حسين اللسواس وصلاح السقلدي وأحمد الربيزي، ولم أتمكن من رؤية العزيز فؤاد راشد. لماذا يفعل بنا هكذا؟ فردوا جميعا بأن قدر الصحفيين في اليمن أن يعبروا عن معاناة الناس، وأن ينتقدوا الظلم والفساد، لأن لا رسالة لهم غير تلك، لكن هناك من لا يزال يعتبر أن الصحفيين أشد أعداء البلاد، ويجاهر بوقاحة الجاهل بأن هؤلاء يستحقون المشانق، غير أن ما يسعدنا هو أن أحد هؤلاء الجهلة غارق حتى أذنيه بالفساد والتفاهات.