كيف برأ البرلمان الاشتراكي وأدان الرئيس

كيف برأ البرلمان الاشتراكي وأدان الرئيس

*محمد شمس الدين
كشف تقرير اللجنة البرلمانية المكلفة بحصر النهب الذي تعرضت له الأراضي العامة والخاصة بالحديدة، حجم الكارثة التي تنتظر اليمن، وغياب فكرة الدولة، والجشع الذي لا حدود له لدى البعض، ففضيحة أراضي الحديدة وما رافقها عرت ممثلي الشعب وبينت عدم أهليتهم لحماية أنفسهم، ناهيك عن حماية الناخبين والقانون، ومدى عجزهم عن القيام بمهامهم الدستورية وواجباتهم التي يجهلها الكثيرون منهم، فيما يدفع الفقراء والمطحونون المليارات من قوتهم اليومي ثمناً لرفاهيتهم التي لا تتناسب مع الوضع الاقتصادي للبلد الذي ترتفع فيه يومياً نسبة الفقر والبطالة بشكل مخيف، لصالح شريحة صغيرة تمارس الفساد والنهب في البر والبحر دون أن تجد من يسائلها أو يحد من جشعها الذي فاق ما يتصوره العقل البشري.
التقرير البرلماني حول النهب الذي تعرضت له الممتلكات العامة والخاصة في محافظة الحديدة وما رافقه لم يعرِّ أعضاء البرلمان الذين يتشدقون باسم المواطن والوطن فقط، بل عرى معهم النظام الذي أدمن على الكذب والتضليل حتى أصبح العامة من الناس يتعاملون معه كمصدر غير موثوق حتى وإن كان ما يطرحه صحيحاً، كونه وضع نفسه في ذات الخانة. لن يستطيع الحاكم ومن يسيرون في فلكه من المطبلين والمتسلقين ومن مارسوا النهب تحت حمايته، أن ينكروا بعد اليوم ما تعرضت له الممتلكات العامة والخاصة في المحافظات الجنوبية، وإنهم وحدهم المسؤولون عن النهب والعبث الذي طال ممتلكات الأفراد ومؤسسات الدولة وأراضيها، وإن محاولة تحميل الحزب الاشتراكي الذي حكم الجنوب قبل الوحدة مشكلة الأراضي وما نتج عنها من تداعيات تهدد وحدة الوطن واستقراره هي كذبة كبرى لم تعد تنطلي على أحد بعد أن كشفت اللجنة البرلمانية النهب الذي تعرضت له أراضي الدولة ومساكن الفقراء في محافظة الحديدة التي لم يحكمها الاشتراكي قبل الوحدة، ولم تكن ضمن نفوذه بعدها، والتي تحولت إلى محافظة منكوبة بفعل النهب الذي طال كل شيء، وأقدم النافذون على إخراج فقرائها إلى العراء دون رحمة أو خوف من الله، ليؤكدوا بذلك أن النهب والجشع وتوزيع ممتلكات الدولة مقابل الولاء هي سمة النظام في الشمال قبل الوحدة، وتم نقلها إلى الجنوب بكل بشاعتها دون ضوابط قانونية أو قبلية تحد من هذا الجشع الذي ينذر بحراك جديد.
لم يعد هناك ما يبرر وجود هذه المؤسسة الهشة التي يطلق عليها مجازاً برلمان يتولى التشريع والرقابة في ظل قانون القبيلة وأعرافها الذي حل محل التشريعات والنصوص القانونية التي يهدر الطلاب والقضاة وقتهم لدراستها في المعاهد والجامعات، بعد أن حلت القبيلة وأعرافها محل تلك النصوص المغيبة التي تدرس وتداس تحت أقدام القبيلة وثيرانها، وبعد أن حلت الهيئة الوطنية العليا لمحاربة الفساد على افتراض صحة التسمية محل الدور الرقابي للبرلمان على افتراض أنها سوف تقوم بذلك.
ثم أي برلمان هذا يستحق الإنفاق والرهان عليه في حماية النظام والقانون، تعرضت لجانه لحصار الأطقم العسكرية وأشعلت النيران في مقر إقامتهم في الحديدة، وتمكن أحد المشائخ من منع أعضائه من الوصول إلى مملكته في الجعاشن دون أن يحرك ساكناً أو يظهر حرجاً؟! وبعيدا عن اعتبار تلك الإهانات التي تتعرض لها اللجان البرلمانية بين الحين والآخر رغم الحصانة الممنوحة لهم والجند المحيطين بهم، ومقارنتها بما يتعرض له الضعفاء في الحديدة وغيرها على يد النهابة ورجال الأمن، إلا أن الأهم من ذلك هو قناعة الكثيرين بعدم الحاجة لهذا الكيان الهش والضعيف وغير المؤهل لحماية أعضائه من جانب، ومن جانب آخر كيف يميز المواطن بين شيخ يمارس الظلم على رعيته لكي يدفعوا له الزكاة ليتقوا شره، وبين دولة تمارس الجباية للإنفاق على مؤسسات شكلية وبرلمان لا يدافع عنه ولا يمثله.
لا أعرف ما الذي يجبر أهالي الجعاشن وغيرهم على الدخول في معارك مع مشائخهم على الزكاة وقبولهم التشرد بعيداً من ديارهم لشحت المواطنة والحقوق من عاصمة الدولة أمام مجلس الوزراء وبوابة البرلمان الذي يمارس بعض أعضائه في حق الآخرين ومن يراهم دونه نفوذاً وقرباً من الحاكم، أبشع مما يمارسه شيخ الجعاشن؟! وهل لا زال لديهم أمل بأن البرلمان سيحل قضيتهم بعد طول المعانة والانتظار أمام بوابته، خاصة بعد رفض شيخ الجعاشن منح التأشيرة لأعضائه، وعودتهم دون خجل باتصال تلفوني وكأنهم مراسلون مكلفون بحمل رسالة من رئيس الدولة، وليس تمثيل الشعب اليمني بكل فئاته لدى شيخ الجعاشن.
أعتقد أن قضية مهجري الجعاشن وشيخهم قد أخذت طابع العناد، وطغى عليها الجانب التحرري، وإلا ما الفرق لديهم بعد هذا العناء أن تذهب أموالهم في جيوب أعضاء البرلمان وقوات أمنية لم تقم بحمايتهم، أو أن تذهب في جيب شيخ يكفيهم شره وأذاه!
لقد كان اكتفاء النافذين في البرلمان بشطب أسمائهم وبعض كبار المسؤولين من قائمة النهابة لأراضي الحديدة، يعكس هشاشة التفكير لدى ممثلي الشعب، وعدم إدراكهم حجم الكارثة التي لن ينجو منها أحد، بل إنهم وغيرهم سيكونون أبرز الأهداف والضحايا في المرحلة المقبلة التي يستعجلون في جر البلاد إليها. وإن تجاهلهم قضايا المعتصمين والمشردين أمام البرلمان سيجعلهم عرضة لذات الأذى والمصير الذي يعاني منه العامة من الناس أمام أعينهم.
وإذا كان تقرير اللجنة البرلمانية قد كشف حجم النهب الذي تعرضت له الممتلكات العامة والخاصة في الحديدة، وهشاشة السلطة التشريعية، فإنه يفترض في الحاكم وأفراد أسرته أن يتعظوا من التحريف الذي طال التقرير، وأنهم وحدهم من سيدفعون ثمن ممارساتهم وممارسات من ينهبون تحت رعايتهم، وكيف أن النافذين حرصوا على إخراج أنفسهم من دائرة الاتهام وشطبوا أسماءهم من قائمة النهابة التي أوردتها اللجنة في تقريرها رغم معرفتهم المسبقة بغياب المحاسبة، وثقتهم بانعدام القدرة على استعادة الممتلكات العامة، بل والخاصة في عهد الرئيس صالح..
الحرص الذي أبداه رجال الحاكم على ما تم نهبه وسمعتهم يؤكد أنهم أول من سيتخلون عن الرجل، وسيحملونه مسؤولية الانهيار الوشيك قبل غيرهم، وإنهم أول من سيزايد ويجازف في كيل التهم الباطلة ضده لتبرئة أنفسهم، ولن يترددوا في الادعاء أن المقابر المحيطة بدار الرئاسة هي مقابر جماعية رغم معرفة الجميع أنها مقابر عامة.
لقد ترك رجال الحاكم في تقرير اللجنة البرلمانية ما يدينه ويحمله كامل المسؤولية عما تعرضت له أراضي الحديدة ومواطنيها من نهب بتوجيهاته وحماية أمنية للقبائل الغازية، كما كشف أن حلم اليمنيين بالوحدة والاستقرار مرهون بمجموعة من الأشخاص وصل بهم الجشع إلى تدمير كل شيء في سبيل مصالحهم الخاصة، والتي سيفقدونها آجلا أم عاجلاً طالما ظلت شهيتهم مفتوحة للفيد.
shamsaddinMail