ما بعد التقرير

ما بعد التقرير

* محمد الغباري
أن تقدم اللجنة البرلمانية تقريرها عن وقائع نهب الأراضي في محافظة الحديدة، فذاك إنجاز يُحسب للبرلمان العاجز عن فعل شيء طوال السنوات الثماني التي مضت، لكن الأهم من هذا التقرير هو استعادة الأراضي المنهوبة، والشروع في مساءلة الجهات التي تواطأت مع هذه الاستباحة لمحافظة جل مشكلتها طيبة أهلها ومسالمتهم.
صحيح أن واقعة الاعتداء على النائب عبدالله أهيف قد انتهت بانتصار عرف القبائل، وذُبحت كرامة مجلس النواب تحت أقدام أثوار الهجر، إلا أن النواب ما زالت أمامهم فرصة مواتية للانتصار لأنفسهم، والنواب الذين اختاروهم من خلال التمسك بتنفيذ التوصيات والقرارات التي احتواها التقرير.
الموقف السلبي لغالبية أعضاء المجلس النيابي تجاه الاعتداء الذي طال النائب أهيف، قدم صورة مهينة للبرلمان الذي أضحت كرامة نوابه مهدرة لمجرد انتمائهم المناطقي. وحتى أولئك الذين جاؤوا ليتبجحوا عن استلاب صلاحية السلطة القضائية، يعلمون جيدا أنهم يحاولون تغطية الفضائح التي تضمنها التقرير على قلتها، وأن الغيرة الكاذبة على القضاء مردها الأساس يقينهم بأن أحداً لن يستطيع أن يحكم عليهم أو يستعيد منهم ما نهبوه.
لا أعلم على وجه اليقين الأسماء الكبيرة التي تم حذفها من التقرير، ولكن أن تشير اللجنة في أحد هوامشها إلى قيام أحد النافذين بالبسط على مساحة 20 ألف معاد، أي مليوني لبنة، فذلك يمكن أن يشكل مدخلاً حقيقياً لبناء دولة لكل مواطنيها، وألا يصبح ميول الناس نحو الالتزام بالقانون سببا لسطو حمران العيون على ممتلكاتهم وكرامتهم.
وإذا ظلت مناطق القبائل تعتقد أن من حقها التاريخي أن تنهب وتعبث بالأراضي وبكرامة الناس في الحديدة أو إب أو تعز أو عدن، لمجرد أنها تحظى بدعم ومساندة من مراكز صناعة القرار تمنع عنها المساءلة القانونية، فإن الحديث عن بناء دولة وطنية حديثة نوع من العبث، بل إن الحقيقة التي لا مناص منها أن ذلك سيظل المدخل الأساس لتدمير أي مشروع تحديثي.
بإمكان المواطنين في المحافظات المغلوبة على أمرها أن يستعيدوا الأمل الذي تشكل لهم في منتصف السبعينيات إذا ما تم استعادة الأراضي المنهوبة في الحديدة وعدن ولحج، وإذا شرعت السلطات باتخاذ إجراءات حاسمة تمنع تكرار مثل هذه النزوع العدواني، لأن الغالبية العظمى من المتورطين في هذه العمليات محسوبون على مراكز الحكم، أو أنهم يعملون لحساب قادة عسكريين أو أقارب لكبار المسؤولين.
لابد من الإقرار بأن انتصار الحكم لقيم القبيلة على حساب القيم المدنية، هو الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه، وأفقد الدولة هيبتها، وكان المحرك الأساسي لنزعات التشطير والانتماءات المناطقية، وأن استمرار الوضع على ما هو عليه سيزيد من تغذية هذه النزعات.
الحكم وحده يمتلك إمكانية أن يوقف هذا الانحدار. وإذا وجدت النوايا الصادقة فإن تقرير لجنة الأراضي في الحديدة المدخل الحقيقي للانتصار لقيم المدنية، وكبح جماح جنون النهب.