التخبط الحكومي

التخبط الحكومي

* محمد الغباري
الزبادي والثوم والخضار وفق تقدير الحكومة اليمنية أصبحت من الكماليات، ولهذا تم فرض رسوم إضافية على دخولها البلاد، بل وذهب مد هذا الاختراع إلى القول إن كل المنتجات التي يوجد لها مثيل يصنع محليا ستخضع لهذا الإجراء. الهدف الظاهري لهذه الخطوة التي تعكس التخبط الحكومي، هو السيطرة على تدهور سعر الريال في مقابل الدولار، وهو ما لم تتمكن من فعله ملايين الدولارات التي يضخها البنك المركزي الى الأسواق كل أسبوع، لأن الخلل أعمق من هذه الخفة في تبسيط القضايا والتغرير على البسطاء.
بالتأكيد، فالوزراء ومن يعملون معهم لا يعلمون أن الزبادي بات من الوجبات الرئيسية لملايين من الفقراء، وجميعنا على يقين أن هؤلاء لا يُدخلون بيوتهم العصائر والمنتجات المحلية، لأنهم لا يثقون بجودتها، وهم أيضا يعرفون قبل غيرهم أن مثل هذا الإجراء أدى على الفور الى ارتفاع كبير في أسعار السلع، في حين أن الخزينة العامة للدولة لن تستفيد شيئاً من هذا القرار الأهوج.
الحكومة، وعلى لسان أكثر من مسؤول، تؤكد أن نسبة 60 في المائة من البضائع في الأسواق المحلية مهربة، وبالتالي فالقرار لن يصل الى هذه السلع وإن كان من شأنه رفع نسبة عمولة المهربين. وهي بقرارها هذا تظهر لنا مدى التحالف الوثيق مع التجار والمصنعين، وتعيدينا إلى السبعينيات والثمانينيات عندما كانت تخدم المنتجات الرديئة بمنع الاستيراد.
حاليا هناك آلاف من اليمنيين الذين تمكنوا من اقتناء سيارات حديثة أعيد تصديرها من الولايات المتحدة تحديدا، ولأن مثل هذا العمل قد أضر بكبار التجار لأن السيارة تباع بنصف القيمة، جاء الاختراع العظيم بمنع استيراد البضائع من غير بلد المنشأ. والحقيقة أننا نعلم أن جهودا كبيرة قد بُذلت وما تزال من قبل وكلاء السيارات المحليين، من أجل وقف دخول السيارات المستوردة من الولايات المتحدة، لا لقدمها كما يراد أن يُكذب علينا، ولا لأن مستورديها لا يدفعون الرسوم الجمركية والضريبية، ولكن الوكلاء المحليين تضرروا من أسعارها المعقولة وتكدست بضائعهم.
أتحدى أي مسؤول حكومي أن يقول لنا كم هي العائدات التي ستصب في الخزينة العامة، وبنفس اللغة أتحداهم أن يقولوا لنا إن هذه الخطوة الغبية عُرضت على مختصين أو تمت دراستها مع خبراء اقتصاديين درسوا تبعاتها الكارثية على مجتمع طحنه الفقر، والبطالة، لأننا لمسنا في اليوم التالي أن أسعار السلع قد تضاعفت قبل أن يدخل القرار الحكومي حيز التنفيذ الفعلي.
منذ أن تم الإعلان عن الأولويات ال10، واعتُبرت كبديل لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية الذي فشل بعد 15 عاما على البدء بتطبيقه، قلنا إن المعنيين بالشأن الاقتصادي قد أدركوا حجم الأخطاء التي رافقت هذا البرنامج، وحولته من رافعة لاقتصاد حقيقي الى مجرد قرارات برفع أسعار السلع من خلال جعل الدولة تتخلى عن أبسط مسؤولياتها تجاه مواطنيها وحقهم في الأكل والشرب فقط دونا عن بقية الحقوق الأساسية كالتعليم والتطبيب، لكننا وجدنا أنفسنا أمام حالة هي أشبه بحالة من يريد إقناعك عند ال10 صباحا بأنك في منتصف الليل..!
تعرف الحكومة جيدا من قام بالإفتاء بإعفاء شركات الاتصالات المحمولة من الضرائب، وتعلم جيدا منافذ التهريب والمهربين، وهي من قامت بتعطيل العمل بقانون الضريبة العامة على المبيعات مدة تزيد على 5 سنوات إرضاء للتجار، وهي اليوم عاجزة عن تطبيق القانون حتى بعد أن قبلت بمسخه وتشويهه، ولكنها لا تجيد سوى التضحية بالبسطاء وأقواتهم.
في وضعية كهذه أستغرب أن يخشى الرئيس علي عبدالله صالح من تغيير هذه الحكومة أو إقالتها، وأسأل: إذا كنا قد وصلنا إلى هذه المرحلة من العجز في معالجة الوضع الاقتصادي، فماذا تبقى هناك من مسببات تبرر إطالة عمر حكومة لم تعد تفرق بين السيارات الفارهة وعلبة الزبادي، ولم يعد بمقدورها استيعاب أن أكثر من 10 ملايين مواطن لا يحصلون على الوجبات الثلاث الرئيسية..؟!