الهوس الجنسي

الهوس الجنسي

* محمد الغباري
يعيش بعض أعضاء مجلس النواب والفقهاء حالة من الهستيريا الجنسية، جعلت هؤلاء يتفرغون بصورة مطلقة من أجل استصدار قانون يبيح الزواج بالصغيرات حتى وهن في مرحلة الرضاعة.
حاليا يوجد لدينا نص قانوني يحظر زواج الفتيات قبل سن ال15، لكنه لا يرتب على مخالفة هذا الأمر أية عقوبة، ولهذا كان غالبية عظمى من الناس تطمح بصدور قانون يجعل انتهاء المرحلة الثانوية أساساً لزواج الولد أو البنت، على أساس أن هذه السن قد تكون الأنسب للشروع في بناء أسرة، رغم المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون ذلك.
وقبل ما يزيد على عام، كان هؤلاء قد نصبوا أنفسهم حماة للفضيلة ووكلاء الله في أرضه، وافترضوا أن المجتمع قد جُرد من الأخلاق، وأن عليهم تأسيس هيئة للفضيلة كما سموها، مهمتها التفتيش في ضمائر أناس والتلصص عليهم وملاحقتهم في الشوارع للتأكد من مشروعية العلاقات التي تجمع بين الذكور والإناث. هذه الخطوة التي اعتقادنا أنها دفنت تحت أنقاض الغضب الواسع من احتكار العفة والفضيلة في مجموعة من الأشخاص، غير أن ما حدث غير ذلك تماما..
فبعد القبح الذي ظهر في خطاب هؤلاء تجاه من انتقد مساعيهم، وجدنا أنهم يعملون كجماعة منظمة تحظى بمساندة الأجهزة الحكومية، في ملاحقة الفنادق والمطاعم، وفي تحريك دعوى الحسبة كما حصل مع الكاتب معاذ الأشهبي الذي يقضي عقوبة الحبس حاليا في السجن المركزي بجريرة تفسير خاطئ لما كتبه في إحدى المقالات.
هذه الجماعة تمكنت وبرضا رسمي من إعادة المداولة في مشروع قانون الأحوال الشخصية والخاص بسن الزواج الذي رفع من 15 إلى 17 سنة. وبمثابرة غير معهودة في أية قضية من القضايا التي تدمر البلاد، استصدروا الفتوى، وجيروا كل تأويلات الأحاديث النبوية لإشباع غريزتهم الجنسية في الزواج من طالبات الصف الرابع والخامس. ولم يقفوا عند هذا الحد وسط نفاق مختلف الأحزاب السياسية، بل خرجوا علينا شاهرين سيف التكفير لمن يطالب بتحديد سن للزواج، وقالوا إن الإسلام لا يحدد سنا للزواج، أي أن بمقدوره الزواج من الرضيعات أيضا.
نعلم جميعا أن المؤتمر الشعبي يمتلك أغلبية كاسحة تحسم أية قضية في البرلمان حتى وإن عارضها نواب اللقاء المشترك والمستقلين، وندرك جيدا أن أحزاب المعارضة تتحاشى أن تصطدم بهؤلاء المهووسين بالزواج بالصغيرات، ولهذا لا يجرؤ الإصلاح على إعلان موقف صريح وواضح من هذه القضية. ومع أن المنطق يفترض أن الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري يقفان إلى جانب رفع سن الزواج إلى 18 سنة، ومعهما حزب الحق واتحاد القوى الشعبية، إلا أن ذلك لم يحدث.
كل يوم يسرح ويمرح هؤلاء في تحريض البسطاء والجهلة من الناس، يحرضونهم من على منابر المساجد، ويحشدون النساء إلى أمام البرلمان، للمطالبة بفتح باب الزواج من الصغيرات، ولم يصدر عن اللقاء المشترك موقف واضح من هذا الهوس، ولم يتحرك قادته أو نشطاؤه للتظاهر رفضا لهذا الجنون الذي يقصر الحياة الزوجية على ممارسة الجنس، والجنس وحده.