صنعاء 19C امطار خفيفة

عقدٌ من الزمن رفقة الأستاذ الأب!

2024-05-22
عقدٌ من الزمن رفقة الأستاذ الأب!

21 مايو 2014 م الثامنة صباحا بتوقيت مستقبل جديد كنت اتخطى حواجز وزارة النفط والمعادن في العاصمة صنعاء وكنت احمل المجهول بين يدي لا أعرف ماذا ينتظرني في ذلك المكتب الأفخم الذي يعتلي الدور الرابع للمبنى، وجدت نفسي في صالة الانتظار ضمن عشرات من الشخصيات التي تنتظر ذلك الشخص والذي دخل عليهم في وقته المحدد..


صورة تجمع محمد بافضل مع خالد بحاح بين الصورتين عشر سنوات صورة تجمع محمد بافضل مع خالد بحاح بين الصورتين عشر سنوات
لم أصدق أنني في حضرة الوزير إلا عندما اخذ بيدي وصحبني الى مكتبه وكأنه يعرفني منذ وقت طويل "استرح قليلا سأقوم بتوقيع البريد اليومي".. هكذا نطق الأستاذ خالد بحاح والذي يعد وأحدا من أبرز من تقلد منصب وزارة النفط في سنوات عدة. لم تمضِ أقل من نصف ساعة إلا وحان وقت الجلوس وجها لوجه إنها بداية مقابلة شخصية سيجريها الوزير بنفسه.
لا أخفيكم كنت متوترا قليلا وثابتا في آن واحد، مددت يدي لأسلمه الملف الخاص بي لكنه لم يأبه وحينها انهال علي بمئات الاسئلة التي تنقلت بين حياتي الشخصية وخبرتي العملية، أكملنا أكثر من ساعة من الزمان تنفست بعدها الصعداء ووجدته قائلا تستطيع أن تباشر عملك من الآن، ولكن كنت مترددًا من القبول فأول الكلام ليست المباشرة ولكنه مجريات الاستحقاقات الكاملة والانتقال الى العمل الجديد..
كان جوابي المبدئي أني لا أسطيع خصوصا أن ما هو مطلوب مني هي فترة تجريبية لن تتعدى الشهر الواحد، تحدثت الى نفسي وأطلقت العنان لكل افكاري هل من المجدي ان أوافق وأنا الذي بدأت في العمل في حضرموت معيدا في جامعتها، شعر صاحب المعالي بما يدور في خاطري وقال لي كلمات بقيت تدور في عقلي حتى اليوم "الفرص لا تتكرر يا ابني" تحرك رأسي لا اراديا بالموافقة وباشرت العمل في أول لقاء مع السفير الهندي آنذاك .
لم تكن تلك المقدمة الا بداية لمرحلة جديدة أكملت منها عشرة أعوام وما زلت في ثناياها حتى اليوم، عقد من الزمان تنقل معه الأستاذ الأب كما يحلو لي أن اسميه بين عدة مناصب وكان صاحب النصيب الأكبر في كل منصب فهو يمتلك الإدارة المتماسكة والإرادة الحرة التي ربما كانت سببا في بعض تحدياته في أغلب تلك المناصب، وزيرا للنفط ورئيسا للوزراء ونائبا لرئيس الجمهورية، وأخيرا سفير فوق العادة في جمهورية مصر العربية، كلها محطات عشت اغلب تفاصيلها كسكرتير إعلامي اجتهدت من خلالها في أن التزم المهنية ولا ابتعد عن مسار التربية التي نشأت وترعرت عليها من قبل أبي رحمة الله عليه.
يبدو العمل الحكومي في ظل التحديات التي تشهدها البلاد مرهقاً للغاية؛ ومحاولة صناعة توازنات في الخطاب الموجه هو بحد ذاته صراع مع الذات وأمل من ركام الألم.
كان العمل من صنعاء يختلف تماما عن العمل من عدن، فزمام الأمور لم تكن كسابق عهدها، وأتذكر مشهد الاغتيال الذي نجونا فيه بأعجوبة في يناير 2015م وأدخلنا بعده إقامة جبرية دامت 57 يومًا، خرجنا بعدها نحو حضرموت وكانت حافلة بالاستقبال المعهود.
أما عدن هذه شهدت لحظات فارقة في حياتي الشخصية فالسادس من اكتوبر 2015م أضاف عمرا إلى عمري وعمر كل من كانوا من حولنا في فندق القصر في منطقة انماء، ورغم جراح الجسد الا ان ابتسامة من ابي محفوظ تزرع فيك قليلا من البهجة والطمأنينة وتقودك الى شريط من الذكريات التي يمر بخاطرك في كل مرحلة خطرة عشنا تفاصيلها.
ها قد مرت عشر سنوات بحلوها ومرها، بلحظات شاهدنا فيها الموت، ولحظات ارتفعت فيها ضحكاتنا وكنا في قمة البهجة.. عشر سنوات من علاقة أب وابنه، مليئة بالنصح والإرشاد، بالعتب وسوء الفهم أحيانا.. مليئة بالآمال المحققة والخائبة، مليئة بحب الوطن والعمل من أجله، أصبنا وأخطأنا، لكن الأكيد بأن النوايا صادقة.
مرت مرحلة، رفقة الأستاذ، داعيا له بكل التوفيق في مهامه وأعماله.
وأهلا بمرحلة جديدة.
ورحلة جديدة.
كتبه محمد بافضل، قاهرة المعز
21مايو 2024م

تصنيفات

إقرأ أيضاً