وماذا بعد؟

يقولون، والقول كما يقال بلهجة الناس... شور وقول... وبلغة السياسة موقف، وبلغة المصالح لعبة، وبلغة المذابح تجارة سلاح واغتناء تجار سلاح...
يقولون لا جديد تحت الشمس! غير صحيح، ففي كل حركة بالكون هناك الجديد، هذا الأمر مختلف عليه، ليكن السؤال:
ما الجديد الذي حل وأدخل تغييرًا ومتغيرًا ينقلنا إلى أمل واقع جديد؟ هنا تتجلى آفاق الرؤى التي تتعاطى سلبًا وإيجابًا مع هذا الأمر المحير.
ماذا بعد؟ وما الجديد في واقع اليمن السعيد؟
إن قلنا لا شيء جديدًا قد أخطأنا السبيل، وإن قلنا هناك جديد فورًا تدق لك الأجراس. سؤال كافكا تشاؤمًا: وما الجديد مصحوبًا بالدليل؟!
قد طالت بنا الحرب، وهي كل جديد نراه يتجدد يوميًا تحت عنوان ورفض وتشكل جديد.
صراعات الأطراف التي تخوض صراع المصالح في بلادنا كل يوم يتم وضعنا أمام منعرج جديد... ما نراه.

أواني مستطرقة حبسونا بداخلها لتظل بلادنا وشعبها المحاصر عرضة للاهتزاز...
الارتفاع.. الهبوط. تبعًا لمؤثرات إدارة دفة دولاب الأواني المستطرقة التي وضعونا بها منذ عشر من السنين صعودًا هبوطًا إراقة الدماء وهدرًا للموارد وتغييرًا للوحات ومكونات الواجهات السياسية حسب ما تقتضية مصالح أصحاب المصلحة ممن يديرون لعبة الأواني المستطرقة في بلادنا.
ها نحن نغادر اليوم مرغمين مجددًا لحظة الانفراج التي مثلتها تفاهمات خارطة الطريق التي أفادونا وجرى حديث ناعم الملمس بشأنها بين أطراف تفاهمت في مسقط عمان.

تفاهمات برضا ودعم إيراني، وحضور لأنصار الله تحتضنه السلطنة، ورغبة من المملكة السعودية في الانتقال إلى مربع التفاهم مع إيران بدعم أمريكى للجم أي تهور الحوثي مغطى إيرانيًا... ولكن فإن الأمور لها وجهة نظر وقراءات أخرى تعكس تفاهمات مصالح تحافظ حتى على الحد الأدنى من شكلها وبداخلها جانب أمن المملكة أمريكيًا خشية من العدو الإيراني حتى مع وجود توافق سعودي إيراني برعاية صينية.

الدعم الأمريكي للمملكة مرهون بشروط التطبيع مع دولة العدو، وهنا اللعبة قد أخذت مسارات لينقلب الوضع تبعًا لقراءات كل طرف للأمور بما لا يمثل توافقه من عدمه بأنه مجرد انبطاح.
شاءت الرياح أن تأتي بأشياء أخرى لا تتوافق مع رغبة سفينة اليمن للوصول إلى بر الأمان!
أنصار الله ومن مواقع ضعف داعمي الشرعية ومواقع مزايدة أعادوا توجيه دفة الأمور لصالح قراءتهم الهادفة إلى ابتزاز الكل، فالمملكة لها مشاغلها وتخوفاتها من إيران وتمدد الحوثي والضغط الأمريكي يشغله أمران لا ثالث لهما.

حماية مطلقة لإسرائيل، وهنا تتم المغالاة بمتابعات التطبيع خليجيًا.
حماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ودعمها للأصدقاء في الخليج والسعودية أساسًا موجهًا ضد إيران.
لكن بالمقابل لا تعمل بالمرونة والشدة في التعامل مع إيران، ولا تتوانى عن إظهار ملامح الدلال في تعاملها مع أنصار الله، وما يجري في البحر من مزايدات لذلك دليل.
كنا قاب قوسين وأدنى من نفاذ خارطة للطريق، أشار لها كثيرًا الإعلام السعودي، ودعمت ذلك التأكيد تصريحات مسؤولين رفيعي الشأن في الدبلوماسية السعودية.
لكن لا تأتي دومًا الرياح بما تشتهي السفن.

تصاعد مظاهر العبث بالملاحة بالبحر الأحمر، والانتقال كما قال أنصار الله لمرحلة رابعة للصراع مع العدو دعمًا لغزة... دعمًا يطال مصالح صهيونية بالبحر الأبيض، وغزة تدفع الثمن وحدها دماء وأجسادًا وأشلاء وخرائب.
تطورات مثيرة يشهدها ملف التوصل لوقف حرب وإبادة غزة، ونحن اليوم أمام منعرج جديد.

لكن نعود نسأل: وماذا بعد؟ وما الجديد على نطاق الشرعية التي تشكل وفق مفهوم الشرعية الدولة بأنها الإطار الشرعي الممثل للشرعية الوطنية التي يدعمها ويتعامل الكل الوطني، تمامًا كما بتعامل معها العالم، مع التأكيد على كل القرارات الدولية ذات الصلة، وهي أساس قوة الشرعية التي أن تباينت وجهات نظر الأطراف الممثلة للشرعية مع هذه المعطيات الدولية انزاح الأمر ضعفًا لكيانها تستفيد منه فقط قوى الانقلاب في صنعاء، تمثل ذلك مؤخرًا مع استمرار تباينات لقراءة التطورات والأحداث بين أطراف المجلس الرئاسي، لعل ذلك تجلى بوضوح من التعامل المتضاد حاليًا بشأن لقاء الأحزاب الوطنية بعدن، بمشاركة المجلس الانتقالي... ولا نرجو أن يتطور لصدام لاحقًا لأن ذلك يصب في خانة تستفد منها قوى الانقلاب ليس إلا.
ماذا بعد؟ وما الجديد؟
سؤال مستمر ناقوس يدق على الأذهان، لكن الإجابة مرهونة بكثير من التطورات الإقليمية والوطنية والدولية، وفي مقدمها مسارات الأمور حول إيقاف الحرب بغزة.

حتى ذلك الحين نظل نرقب بعين حذرة تغيرات مفاجئة تجري في بلادنا من قبل كل الأطراف التي تحشد وتصعد، والواقع لم يعد يحتمل مزيدًا من الدماء، ولا ينتظر طبخة فاسدة الريحة يشمها الشعب ويجني ثمارها من لا يهمهم مصالح الشعب والبلاد أمنًا واستقرارًا وتنمية واستعادة لدولة صودرت وبنية تحتية تدمرت موسسات بحاجة لضخ دماء في كياناتها العليلة، ونحن نرقب داخل الأواني المستطرقة.