النظام الفيدرالي هو الممكن الوحيد للحفاظ على وحدة اليمن

تاريخيًا، كان اليمن اسمًا لمكون ثقافي واجتماعي (شعب) يعيش في منطقة جغرافية محددة، وليس اسمًا لوحدة سياسية (دولة)، حيث اسم "يمن" في اللغة العربية القديمة واللغة العبرية، وربما اللغات السامية الأخرى، يعني "الجنوب"، والمقصود المنطقة التي تقع جنوب مكة المكرمة، في مقابل الشام الذي يعني الشمال، ومازال المصطلحان يستخدمان بهذا المعنى حتى اليوم، ففي الحديدة هناك حارة الشام وحارة اليمن، أي الحارة الشمالية والحارة الجنوبية، وكذلك الأمر في جدة هناك حارة اليمن وحارة الشام، وقبيلة الزريقة في تعز تنقسم إلى قسمين زريقة الشام وزريقة اليمن، أي زريقة الشمال وزريقة الجنوب، وباب اليمن في صنعاء هو الباب الجنوبي لمدينة صنعاء.

أما من المنظور السياسي، فقد تعايشت عدد من الدويلات المتصارعة والمتنافسة في اليمن، ولم تخضع لسلطة مركزية موحدة سوى لفترات قصيرة من تاريخها، حيث كانت القبيلة التي تسيطر على السلطة وتتحول إلى دولة في منطقة محددة من مناطق اليمن، أو حتى على كامل التراب اليمني كما حدث مع دولة سبأ، تُخضع القبائل الأخرى في المناطق الخاضعة لسلطتها، الأمر الذي يؤجج الصراع بين القبيلة المسيطرة والقبائل الأخرى، وبالتالي سعي القبائل الخاضعة للتمرد على سلطة قبيلة "الدولة".

استجاب اليمنيون للدعوة الإسلامية خلال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتدين جل اليمنيين بالدين الإسلامي، وعلى الرغم من ذلك، ظلت النزاعات والصراعات السياسية والاقتصادية قائمة بين اليمنيين خلال القرون الأربعة عشر الماضية، منذ تدين اليمنيون بالدين الإسلامي حتى عام 1990م، ولم تتوحد كافة مناطق اليمن تحت سلطة وطنية (أؤكد وطنية وليست أجنبية) سوى لمدة عشر سنوات تقريبًا، على فترتين، الأولى تحت سلطة علي بن الفضل، واستمرت لمدة أربع سنوات تقريبًا منذ سيطرة جيشه على صنعاء عام 299هـ حتى وفاته عام 303هـ، والمرة الثانية خلال السنوات الست الأخيرة من فترة حكم الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، وتحديدًا منذ استيلائه على حضرموت عام 1070هـ حتى وفاته عام 1076هـ.

في 22 مايو 1990م توحدت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (جنوب اليمن) والجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن) في دولة وحدة اندماجية هي الجمهورية اليمنية، إلا أن الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وحلفاءه من شيوخ القبائل وشيوخ الإسلام السياسي، تمردوا على متطلبات عملية التحول الديمقراطي التي اتفق عليها مع النخبة السياسية الجنوبية، وحول عملية الوحدة إلى عملية ضم وإلحاق جنوب اليمن لشماله، وأعاد بناء دولة الوحدة على نمط الجمهورية العربية اليمنية (الشمالية)، الأمر الذي ولد رغبة لدى الجنوبيين لفك ارتباطهم السياسي بدولة الوحدة، واستعادة دولتهم السابقة، ومنذ عام 2007 شكلوا حركات سياسية لقيادة عملية فك الارتباط، وباتوا قاب قوسين أو أدنى من فك الارتباط، والحقيقة أن هناك مناطق أخرى يشعر سكانها بالظلم والتمييز وعدم المساواة في حقوق وواجبات المواطنة، وأهمها منطقة تهامة، وإلى حدٍّ ما محافظتا إب وتعز.
لمواجهة حركات فك الارتباط والتهديدات الأخرى لدولة الوحدة، ومن أجل الحفاظ على الوحدة، طرحت خلال انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، فكرة تحويل شكل الدولة من دولة الوحدة الواحدة إلى الدولة الاتحادية، فهي الحل الوحيد الذي يمكن أن يحافظ على الوحدة، إلا أن الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وحلفاءه القدامى والجدد من شيوخ القبائل وشيوخ الإسلام السياسي، وقفوا ضد التحول إلى دولة اتحادية، بدعوى أنها تمزق وحدة اليمن، وحشدوا "مثقفيهم" وصحفييهم وكتابهم لقيادة حملة مناهضة للدولة الاتحادية، فكتبوا مقالات وقدموا أوراق عمل في ندوات وورش عمل هي أقرب لمقالات التعبير التي يكتبها تلاميذ المدارس الأساسية، وطرحوا مبررات ساذجة لرفض النظام الاتحادي، ليس بسبب افتقارهم للقدرات والكفاءات الفكرية والصحافية، ولكن بسبب دفاعهم عن نظام مولد للنزاعات والصراعات بين اليمنيين، وبسبب دفاعهم عن مصالح نخب تتعارض مع المصلحة الوطنية العليا. من هؤلاء صديقي وزميلي الأستاذ الدكتور عبدالله المقالح، الذي قال في يناير 2014: إن النظام الاتحادي أو الفيدرالي هو نظام يمزق الأوطان، لأن مصطلح "فيدرالي" مشتق من كلمة "فدرة" والتي تعني قطعة خبز، وبالتالي فإن الفيدرالية تعني تمزق دولة الوحدة إلى قطع "فدر" صغيرة.

أتمنى أن تكون الانقسامات والنزاعات المسلحة على السلطة التي شهدتها اليمن خلال السنوات العشر الماضية، ولدت قناعة لدى أخي وصديقي الأستاذ الدكتور عبدالله المقالح، بأن نظام "الفدر" هو الوحيد الذي يمكن أن يضمن استمرار الوحدة.