الحاجة لإطفاء الحرائق

الحاجة لإطفاء الحرائق

*محمد الغباري
نحن بحاجة لإطفاء الحرائق لا إشعالها، فلدينا الكثير من التحديات في مختلف مناحي الحياة، وهي تكفي لخلق أزمة إقليمية أو كونية، ولن يتمكن من مواجهة هذه التحديات الحزب الحاكم لوحده أو أحزاب المعارضة لوحدها.
الأزمة السياسية قد تكون مدخلا لمعالجة بقية التحديات، لكن هذا الباب ما زال مغلقاً. قبل أيام قليلة كانت هناك آمال عريضة قد تشكلت بعد ورود أنباء عن الاتفاق على تشكيل لجنة تحضيرية لحوار وطني شامل لا يستثني أحداً، ومع هذا فإن القوى المتخصصة في إشعال الحرائق أدت مهمتها على أكمل وجه، وظهر ذلك الخبر الذي نقلته رسائل التلفون المحمول عن تكليف موظف في الحزب الحاكم بإدارة الحوار مع تكتل اللقاء المشترك.
هذه القوى المتنفذة تستطيع في كل مرة أن تؤدي وظيفتها بكفاءة واقتدار تغيب عندما يتصل الأمر بالدعوة للعقلانية، والانفتاح على المعارضين، وحتى حين كانت تطرح الدعوات للحوار مع المتقاعدين ااعسكريين عند بداية حركتهم الاحتجاجية في الجنوب، وحتى عند تجدد القتال في صعدة مع الحوثيين بعد انتهاء الحرب الأولى بانتصار القوات الحكومية.
يعرف الكثيرون أن هناك أطرافا لا تستطيع أن تعيش إلا في ظل الأزمات، لأنها تشعر أن لا دور لها بدون ذلك، ولأن تلك الأزمات تمثل مصدرا للتكسب والثراء غير المشروع على حساب كل شيء جميل في هذا البلد، وفي جولات الحرب التي وقعت في صعدة لمسنا واقعا حجم الثراء الذي ظهر به أولئك المزايدون وأصحاب البطولات الخارقة، حتى إن أحدهم أورد أرقاماً للقتلى تفوق سكان المنطقة التي قال إنه تكفل بتطهيرها، لكن الحقيقة اتضحت بعد ذلك؛ إذ إن الرجل طهر الموازنة التي كانت مرصودة لتلك المواجهة، أما المسلحون فظلوا في مكانهم إلى أن قبل المتمردون بشروط وقف النار.
الأمر لا يختلف في الجنوب فقد استثمرت أطراف رئيسية في السلطة احتجاجات المتقاعدين العسكريين لمصلحتها الشخصية، لأن هذه الأطراف وجدت نفسها فجأة محل حظوة لدى الحكم لأسباب ترتبط بالانتماء الجغرافي، ولأن استمرار تلك الاحتجاجات وتجاهل المطالب المستمرة لمعالجة آثار حرب صيف 1994 ضمن لها استمرار تدفق الأموال تحت مسمى معالجة واحتواء الاحتجاجات قبل أن تتحول إلى حراك.
ما زلت أتذكر الحكايات التي كانت تصل إلى صنعاء عن حجم الأموال التي أنفقتها لجان معالجة الأوضاع في المحافظات الجنوبية، وحجم المبالغ التي وزعت على صحفيين وسياسيين ووجاهات اجتماعية، حتى شاع لدى الوسط السياسي حكاية الإخوة والأقارب الذين يتوزعون أدوار ابتزاز السلطة من خلال الحصول على سيارة أو مال ومن ثم الإيعاز لأحد الأقارب ليتولى مهمة قطع الطريق أو تبني الخطاب الانفصالي حتى يأتي من يحاوره ويحصل على نصيبه وهكذا..
لا أقصد أن كل الذين انضموا في طابور الاحتجاجات العسكرية أو حتى في الحراك الجنوبي مجاميع من المرتزقة، لكني عنيت أولئك الذين يضعون رجلا في السلطة وأخرى في المعارضة، وهم في الغالب يدفعون باتجاه تأزيم الحياة السياسية، ويعملون على استمرار الخلافات مع المعارضين، وتصويرهم كمجموعة من الأشرار تتربص برأس الحكم للانقضاض عليه، يرتدون ثياب الفضيلة ومظالم الناس في حين أنهم يريدون رأس علي عبدالله صالح كما ظهر ذلك في تصريح أخير لأحد قيادات المؤتمر الشعبي.
لدينا أزمة اقتصادية مزمنة، ولدينا نسبة بطالة قد تكون الأعلى في العالم، ونحن بلد العطش يهدد حياة سكانه، فيما الأمية تتمدد رغم البرامج التي تصرف عليها المليارات، ولهذا فلم يعد بوسعنا تحمل المزيد من الصراعات، بل نحن في أمس حاجة للتوافق وللتعاون من أجل أن نتجاوز رعب التحديات التي إن عجزنا عن تخفيف آثارها ومواجهتا لن تبقي في هذا الوطن ما يستحق أن يختلف عليه من في السلطة أو المعارضة.