أبو سهيل

أبو سهيل

* عبدالباري طاهر
عزيزي الفنان المبدع والرسام الماهر عبدالله المجاهد المحبوب
تحية تليق بك وبريشتك الخلاقة
أيها العزيز أكتب إليك وأنت على فراش المرض، وفي حمى المعاناة والمكابدة. أكتب إليك أبا سهيل وأنا في غاية الحرج والحزن، فأنا واحد من عشرات الأصدقاء المدينين لك بأيادٍ لا تنسى. كنت دائماً الشمعة وذبالة السراج التي تحترق لتضيء للآخرين. عرفتك في دمشق، كنت وأنت الطالب أباً وأخاً وصديقاً للجميع، تخدم الجميع دون من أو أذى أو انتظار جزاء.
كنا نتوزع المهام فأنا الطباخ وأنت العصاد. كنا نختلف حد الخصومة. أما أنت فصديق الجميع ولست طرفاً في الخصام.
كان المرض -شفاك الله- عدوك اللدود. وكثيراً ما تتغيب عن الجامعة بسبب مرضك وتعبك.
في طلبك في دمشق كنت الأب والأخ لكل الطلاب يمنيين وغير يمنيين، وكان سكنك قبلة لكل الزملاء والأصدقاء.
كنت العصاد الأول، (عصيدتك) تجذب إليها الطلاب والرفاق.
كنت الملاذ الآمن والقلب الواسع المفتوح والمحب للآخر حتى للمختلف.
لا تعرف يا ابن المجاهد الحقد ولا الكراهية أو الضغينة، ولا أتذكر على طول صداقتنا التي تمتد عدة عقود خصومة بينك وبين أحد.
العزيز المجاهد
أتقنت وأدمنت النفع العام. فبعد التخرج عملت إلى جانب المناضل الكفء النزيه والمخلص لوطنه وشعبه المقدم عبدالرحمن فارع يرحمه الله، واستطعتما بالتعاون مع العديد من الجنود والضباط، تنظيم المتحف العسكري، وزينت رسوماتك المتحف الجديد والواعد.
ولحق بك من الظلم ما يخز الضمير، ويفطر القلب، ولقد فطر قلبك حقاً، ولو كنا في بلد فيه الحد الأدنى من العدل والإنصاف، لاعتبر ما تعرضت ويتعرض له قلبك الرقيق "إصابة عملـ"، ولاستحققت التعويض بالملايين. وهل لقلب فنان ومبدع عظيم تعويض!
لقد سكنوك وأنت الخريج والكفء والنزيه والمنضبط، وأحد أهم مؤسسي المتحف العسكري، برتبة جندي، ليصبح الراتب بضعة آلاف من الريالات. فتركت العمل دون تقديم أية شكوى كدأب أمثالك من الذين يمشون على الأرض هونا.
يا أبا سهيل؛ ماذا نقول في بلد المفارقات الفاجعة؟ فعديمو المواهب يتسلقون أعلى المناصب والرتب، ويهبرون الملايين، كل مواهبهم انعدام الكفاءة وغياب الأمانة.
أحد أسلافك العظام يقول إنه يوزع جسمه في جسوم كثيرة، ويحسو قراح الماء والماء بارد، ولكنك يا أبا سهيل توزع ريشتك على كل الصحف المعارضة والناقدة، وتوزع مع الرسوم الكاريكاتورية عافيتك وصحة قلبك.
تسهر الليالي الطوال تترسم وتترصد معاناة الفقراء وبؤس المواطنين وأنت منهم، وتخلق من هذه المعاناة رسوماً تختزن مئات وآلاف الكلمات.
تعلمت من أسلافك العظام: بهجت والعلي وفرزات وصاروخان وجاهين، وأعطيت للكاريكاتور معنى حياتياً.
مثلك يا عبدالله المجاهد لا ينسى، ولكن الظلم الآتي من سلطة غاشمة لا تفرق ما بين الموهبة العظيمة والبلادة العمياء، وتنحاز للبلادة لأنها أحد أسلحة الفساد والاستبداد.
لم تجد وظيفة حتى اليوم تؤمّن قوت يوم لأطفالك، ولا منحة علاجية بعد أن تفطر قلبك الذي سفحته على صفحات تقول للظلم كفى، وللفساد "أما لهذا الليل من آخر!".
كأسلافك من المبدعين المناضلين لم تتعود طرق الأبواب، ولا مد اليد، ولا مزاحمة قطط الموائد.
لم تتاجر بموهبتك الرائعة، ولم ترهن ريشتك في سوق النخاسة، وبقيت الطود الشامخ والعلم المفرد.
زميلك في الثورة الصحيفة الرسمية محمد الشيباني، عانى هو الآخر كثيراً، ولم يجد في مرضه من يعينه أو يمد إليه يد المساعدة.
قليلون هم رسامو الكاريكاتور في الصحافة اليمنية والعربية، وأقل من القليل أولئك الذين يسخرون ريشتهم لخدمة التطور والتقدم وما ينفع الناس والحياة.
منذ اغتيال ناجي العلي في لندن 1987، أصبح الكاريكاتور رمزاً للمقاومة والتضحية والفداء، وأصبحت الريشة (الكلمة) أخطر من القذيفة والقنبلة، والريشة التي لا تشترى معادية بل مقاتلة.
في مطلع الستينيات أحرقت مجلة "روز اليوسف" بسبب رسمة لصلاح جاهين تسخر من تشدد عالم دين، واعتقل صلاح، فالسلاح الخطير الذي يقاتل به المجاهد ليس بالهين، وناجي العلي تنبأ بانتفاضة الحجارة في أكثر من رسمة.
ويا عبدالله المجاهد، نعرف أن طيبتك ورقتك هي مصدر قوتك وثباتك.
مسؤولية اتحاد الأدباء والكتاب ونقابة الصحفيين إزاء وضعك كبيرة. كما أن زملاءك في الصحافة الحزبية والأهلية المستقلة أيضاً مدعوون لحماية حياتك، وتأمين قوت يومك.
انزعج الزميل محمد عبده العبسي من نكران الصحافة الحزبية والأهلية التي صمم الفنان القدير ترويستها، وضرب مثلاً بقصة الشاعرة السورية أمل علي، مع صحيفة "النهار" التي استطاعت جمع 100 ألف دولار خلال يومين لإجراء عملية جراحية في القلب، واستطاعت الصحيفة جمع المائة ألف دولار لتحصل الشاعرة على عملية مجانية.
أما الفنان اليمني فمقموع من الدولة، ومتجاهل من المعارضة، ومنسي من صحف غرس قلبه عناوين وكاريكاتورات وترويسات للكثير منها.
كما نناشد اتحاد الأدباء والكتاب ونقابة الصحفيين والزملاء في الصحافة التنادي لمعالجته ومساعدته على تجاوز محنته القاسية. ونناشد في الوقت عينه وزارة الدفاع والجهات المعنية إنصافه في سني خدمته الماضية.
ونناشد الوزير الإنسان المثقف محمد أبو بكر المفلحي العمل على توظيفه بمنحه درجة وظيفية، فهذا الفنان المبدع والخلاق ذو الموهبة الكبيرة، جدير بأن يكون موضع رعاية واهتمام أبناء أمته وشعبه.