أشعر بالعار لأنك الرئيس... تغيب قنديل

أشعر بالعار لأنك الرئيس... تغيب قنديل

عن مواطن لا يؤمن بالرئيس سبحانه
* عبدالكريم محمد الخيواني
يوم الاثنين الماضي اختطف الصحفي المصري الشجاع عبدالحليم قنديل، بعد خروجه من منزله. وتفيد الأخبار بأن الشرطة المصرية قالت إنها لا تعلم شيئا عن قنديل! صاحب الرأي والناشط السياسي المعروف، وعضو حركة كفاية، والمناهض البارز للتوريث.
واقعنا العربي متشابه جدا، وحكامنا متشابهون، وجمهورياتنا تتشابه، والتوريث والفساد والفقر قواسم مشتركة، وبالتالي فإن واقعنا الصحفي متماثل، فالحادثة شبيهة بما تعرض له الزميل محمد المقالح في 17 سبتمبر 2009 عندما اختطف، ونفت أجهزة الأمن رسميا معرفتها أو علاقتها بالواقعة، ولم تشفع توجيهات النائب العام، حتى كشف رئيس الجمهورية، بعد أكثر من 100 يوم، للمعارضة اليمنية، أن المقالح سجين. وها هو المقالح اليوم يحاكم، أمام محكمة متخصصة استمرارا للتنكيل والتعذيب الرسمي الذي بدأ منذ اختطافه وإخفائه قسرا، ولكن الفرق أنه في مكان معلوم الآن.
المحاكمة مهمتها إدانته، والمحكمة لا تعتبر الصمت رفضا بل موافقة، وأيا كان وضعها وأحكامها القائمة على التوجيهات، فما هي إلا جزء من وضع قضائي عام، ولابد أن يوثق دفاع المتهمين بها بملفاتهم، لأن الصمت لا يوثق، والمقاطعة المنتقاة للمحاكمات التي لا يتبعها عمل جماعي، حقوقي ومدني وقانوني وسياسي، ما هي إلا ضرب من التسليم بهذا الواقع. والتحريض دون عمل وجهد لا يعفي المحرضين من القيام بجهد، ولا يكفي وحده لإدانة المحكمة وما يصدر عنها، ولا ينفع المتهمين.
أعود لموضوع الزميل عبدالحليم قنديل الذي تم اختطافه في القاهرة، والذي -لسوء الحال- آمل أن يكون مصيره كمصير زميله المقالح. اللافت هنا أن مصر الرسمية التي عادة ما تصدر لمحيطها العربي فنون القمع والتعذيب وحتى تزوير الانتخابات، صارت تستورد التجارب، بينما صارت اليمن مصدرة (وما فيش حد أحسن من حد). صادرات اليمن صحيح قليلة لكنها نوعية. تجربة اليمن في الخطف كبيرة ورائدة ومتنوعة، ولا تستطيع مصر ولا كولومبيا ادعاء خبرة بها تتفوق على السلطة اليمنية، ولا حتى في فن الوساطة مع الخاطفين. اليمن تصدر خدمات وخبرات أخرى مثل تصدير السلفيين إلى مملكة البحرين. هذا الموجود لدينا، النفط قليل، والبن ولى زمن تصديره، والسمك يتكفل به الصيد بالتفجير والتلغيم، طبعا هذه لا تشكل موارد لليمن، لدينا مشاكل وأزمات أخرى تستطيع أن تمدنا بالموارد.
الزميل قنديل كان قد اختطف قبل سنوات، وتم الاعتداء عليه في منطقة نائية بعيدا عن العاصمة المصرية، وتركه الجناة مرميا في الصحراء بعد تجريده من ملابسه، عقابا على كتاباته الناقدة للنظام المصري والرئيس حسني مبارك، وهذه التجربة عرفت في اليمن قبل ذلك بسنوات طويلة، وعادت بوتيرة عالية بعد واقعة خطف قنديل السابقة، وطالت العديد من الصحفيين والسياسيين المعارضين.
الدكتور قنديل كتب قبيل اختطافه مقالا بعنوان "أشعر بالعار لأنك الرئيس"، يتحسر فيه على مصر وشعب مصر ومكانة مصر، ونشر المقال في صحيفة "الكرامة" إحدى أبرز جرائد المعارضة المصرية. ولعل هذا من حسن حظه، إذ يعفي الجميع من التساؤل عن ملابسات خطفه، وعن المستفيد من خطفه، بل إن النشر في حد ذاته لا يترك حسرة في نفس الصحفي قنديل أنه عوقب على مقال لم ينشر بعد، وهي حسرة مريرة أعرفها جيدا.
وضع زميلنا المقالح مختلف، فبعد اختطافه كان السؤال: ترى ما الذي أغضب الرئيس، أو غيره، من محمد المقالح؟ وماذا قال أو فعل؟ وهل نشر صور ضحايا "سوق الطلح" و"العادي" هو السبب فقط؟ وحتى بعد ظهوره ومعرفة ما تعرض له من تعذيب وتنكيل، عاد السؤال ليتكرر مره أخرى: ولماذا الإصرار على محاكمة المقالح وإدانته بدلا من مداراة فضيحة اختطافه؟ خاصة أن الرئيس وعد بذلك، كما أن التجارب السابقة لمثل هكذا تلفيق قضايا، تجعل الأمر مكشوفا محليا ودوليا.
النظام العربي الرسمي يتناسخ تجارب القمع والانتهاك، ويدافع عن أخطائه بضراوة. وليس عجيبا أن أنجح تنسيق عربي هو في المستوى الأمني، متجاوزا للدستور والقانون، في أي بلد، قد تسلم مصر لاجئا سياسيا يمنيا لليمن مقابل مطلوب مصري باليمن، وهذا حدث عام 2005. بل وقد تقبض على شاب يمني يزور مصر للعلاج من التهاب الكبد والسرطان (إبراهيم الشرعي، 25 عاما) وترحله إلى اليمن حيث تنتظره الأجهزة الأمنية في المطار ليتم نقله إلى السجن، ولا يعرف أحد تهمته إلى اليوم، بينما تسلم الإمارات صحفيا موريتانيا لبلاده، وتفعل السعودية الشيء نفسه، وهكذا، لكن أن تستفيد الأنظمة العربية أو تتفق على أي مستوى إيجابي آخر، فذلك هو المستحيل عينه.
الحكام العرب صاروا مفرطين بالحساسية تجاه الصحافة وأي نقد يوجه إلى سياساتهم أو رأي بهم، أو حتى الحديث عن صحتهم أو أقاربهم أو ثرواتهم أو مواقفهم، وكلما زادت الفترة لأي رئيس أو ملك في كرسي الحكم، ضاق صدره وتضخم في نظر نفسه، وأغرته السلطة وهالة القداسة المحاط بها، وإذا به يريد أن يكون مقدسا لا يمس، لا يناقش، لا يساءل، لا يتحمل أي مسؤولية، ويتصرف على أساس "لا أريكم إلا ما أرى"، ولولا الخوف من استفزاز مشاعر الشعوب الدينية لربما أضيفت كلمة "سبحانه" لكلمة الرئيس في الدستور والأخبار.
كذلك فإن الصحفي العربي الناقد لتصرف أو سياسة هذا الرئيس أو ذاك، الصحفي الذي يرفض القداسة، يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع صاحب القوة والمال، وكل شيء له صلة بسلطات الفخامة ومسؤولياتها، دفعة واحدة. تنتقد فخامته برأي أو مقال فيرميك بأمنه وجيشه ومخابراته وقضاته. ويجد هذا غير كافٍ، فإذا بالصحفي مختطفا، مخفيا قسرا، ومن يحصون أنفاس الصحفي ومكالماته الهاتفية ينفون علاقتهم ويعلنون فشلهم من أول وهلة دون بذل أي جهد يذكر. ولأن الحاكم العربي ديمقراطي جدا وذكي جدا، فعندما يقع الخطف، سواء كان يعلم أو لا يعلم، يفرح أنه أشفى غليله، ولا يبالي بسمعته، ولا بقيمة الدستور والقانون، أو بالقيمة الأدبية والأخلاقية، أو بهيبة الدولة والتاريخ، بل ولا يحاول تفادي أو إصلاح الأمر، متى فهم ذلك.
الحكام العرب متفقون على رفض الإصلاحات وحرية التعبير، ويخوضون مواجهة شرسة مع أصحاب الرأي والمعارضين، دون أدنى حساب للشكليات إياها والديمقراطية والغرب، وأمريكا. البقاء على الكراسي مقابل الاستقرار، هنا، أو حفظ المصالح هناك، معادلة، لا تحتاج فائض ذكاء. واستمرار سجن الصحفي بن بريك في تونس، ليس دليلا على نزاهة الانتخابات، ولا رصيدا في شعبية الرئيس بن علي، وخطف قنديل لن يلغي مناهضة التوريث، ولا يكسب مصر بعدا استراتيجيا، ولا ينفي مسؤولية النظام عن الخطف، وأي مكروه يصيب قنديل، باعتباره مواطنا، قبل أن يكون صاحب رأي، استمرار سجن الصحفي هشام باشراحيل وراشد والسقلدي وإياد، والحكم على حسين زيد بن يحيى لن يلغي شكوى أبناء المحافظات الجنوبية، ولا يقوي الوحدة اليمنية. واستمرار التنكيل بالمقالح، لن يلغي جريمة العادي وسوق الطلح، ولن يمحو جريمة الاختطاف والتنكيل، ولن يخيف ويرعب الناس جميعا، ويخرسهم.
الرئيس مهتم بالمانحين، وكم سيدخل الخزانة بعيدا عن شروط الإصلاحات والديمقراطية، واحترام الحريات والحقوق حسب ما كان مقررا في مؤتمر لندن 2006، أما الاهتمام بمعالجة مثل هذه الأوضاع والمبادرة لحلها، والإفراج عن المعتقلين، القضايا الإنسانية، فمؤجلة حتى وقت آخر.
هذه نماذج عربية ليس إلا، لواقع يختلف في لون العلم وأسماء الملوك والرؤساء، لكنه يتوحد في ممارسات القمع، والانتهاك، والفقر والفساد. هذا ما يحدث، بعيدا عن العقل والمنطق، ولكم أن تفكروا إذا كان هذا ما يتعرض له شخصيات عامة، فما مصير من يخالف، أو يعترض، في الشارع أو داخل مؤسسة، ما هو مصير المواطن العربي، الذي لا يؤمن بالرئيس سبحانه. هذا ليس يأسا، أنا أؤمن أن التغيير قادم بسبب هذا ومن أجل هذا