في وداع فارس "لحظة يا زمن" النبيل

"لحظة يا زمن" ليس مجرد عمود صحفي، بل هو تاريخ من النضال والكلمة المسؤولة، دامت عقودًا من الزمن، كان فارسها الأستاذ الراحل محمد عبدالله المساح، الذي وافته المنية بالأمس.

وبرحيل المساح خسرت الصحافة اليمنية أحد رموزها الكبار، الذي ترك بصمة في تطويرها وتحديثها، ونقل معاناة المواطن عبر صفحاتها وبالإضافة إلى الدفاع عن كيان أصحابها، فهو المسؤول الأول في إنشاء "نقابة الصحفيين اليمنيين"، وقبلها من أوائل المؤسسين "لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين".
أما عن قصة المبدع المساح بالصحافة، فتلك حكاية مثيرة للإعجاب والإصرار والتميز، حيث ولد في محافظة تعز عام ١٩٤٨، لكن سرعان ما انتقل إلى عدن وهو في سن العاشرة من عمره للدراسة، ومن هناك بدأ ارتباطه بالصحافة، حيث بدأ العمل بائعًا للصحف والمجلات في عقده الثاني، وقد أسهمت تلك الصحف في تشكيل وعي وثقافة البائع الصغير، بل دفعته للالتحاق بكلية الآداب -قسم الصحافة بالقاهرة، عام ١٩٦٦.

محمد المساح- النداء٢٠٢٤
محمد المساح- النداء٢٠٢٤

ومن هناك بدأت المسيرة الصحفية لراحلنا المبدع، حيث التحق بوزارة الخارجية عقب تخرجه عام 1970، وعين سكرتيرًا ثالثًا، ومسؤولًا عن النشرة الأسبوعية الصادرة عن قسم العلاقات العامة بالدائرة السياسية في الوزارة، وبعد عامين التحق المساح بوزارة الإعلام، وبدأ يتدرج في المواقع الصحفية الهامة حتى الوصول إلى تولي رئاسة تحرير صحيفة "الثورة" الرسمية، لكن سرعان تم إبعاده بسبب مقال انتقد فيه الأوضاع آنذاك.

لكن ذلك لم يغير شيئًا في اهتمامات وأولويات المساح، وظل وفيًا لما يؤمن به، لذلك ظل صوت الطبقة المسحوقة ينقل معاناتهم وهمومهم واهتماماتهم في مقالاته وكتاباته، وبالإضافة إلى قصائد النثر التي كان يكتبها بأسلوبه الخاص المتفرد الذي لا يشبه إلا نفسه النقية المحبة للآخرين.

إنها مسيرة خالدة بالعطاء والكلمة المسؤولة والموقف الواضح المنحاز للناس وقضاياهم، الزاهد في امتيازات السلطة ومناصبها على حساب المواقف والمبادئ السامية وبيع الضمير والانضمام إلى زمرة كتاب بلاط الحاكم وأبواقه المسبحين بحمد السلطة ورموزها وإنجازاتهم الوهمية على حساب معاناة الشعب بأكمله.

لذلك سيظل محمد المساح أيقونة للصحفي المحترم الذي لم يبع قلمه للسلطة، وظل وفيًا لمبادئه وقيمه السامية حتى لقي الله، وترك دنيانا الفانية، لروحه الرحمة والخلود.

خالص العزاء والمواساة لأسرته الكريمة ولأصدقائه وزملائه ومحبيه وللصحافة اليمنية ولكافة الزملاء السائرين على طريق المساح في جعل الصحافة والإعلام صوت الناس في زمن المطبلين والانتهازيين الذين دنسوا شرف ورسالة السلطة الرابعة المسؤولة.

إنا لله وإنا إليه راجعون.