رحل المساح ولم يعد للزمن لحظة

تمنيت أن تكون كذبة، أو مجرد شائعة ككل الشائعات التي أصبحت تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنها كانت حقيقة مُرة! ولم أكن أتوقع يومًا، أن أكتب وأنا بهذا الشعور المذبوح من الوريد إلى الوريد، أكتب بحبر دموعي حول هذا الوداع المؤلم الذي جاء دون سابق إنذار ودون موعد لتتأهب فيه أرواحنا وقلوبنا حتى نتلقاه بصبرٍ واحتساب.

شعرت بغصة تمزقني من الداخل مُنذ قرأت خبر وفاة الكاتب الصحفي المخضرم محمد المساح، في صفحة الأستاذ عبدالرحمن بجاش؛ صديقه ورفيقه، وسكنتني في تلك اللحظات مشاعر الحزن والحسرة والألم.. فأنا وابتداءً من اليوم لن أتلقى أي مقال للأستاذ محمد المساح، ولن أقف عند الطباعة أمام عباراته وكلماته المكتوبة بخط يده، لأفهمها.. فقد كان يوم أمس هو آخر يوم أطبع فيه ما تبقى من مقالاته التي كنا نستعد لنشرها تباعًا في الموقع.

محمد المساح(شبكات التواصل)
محمد المساح(شبكات التواصل)

شهور مرت مُنذ بدأ كاتبنا الراحل باستئناف عموده "لحظة يا زمن" في موقع صحيفة "النداء"، ويعود الفضل في ذلك للأستاذ عبدالرحمن بجاش، والأستاذ سامي غالب، رئيس تحرير الموقع، إذ خصص له مكان ليكون نافذته الجديدة التي يطل من خلالها على جمهوره المشتاق لحروفه وكلماته.
في بداية الأمر، لم أكن أتواصل بشكل مباشرة مع "المساح"، إذ كانت تصلني مقالاته المكتوبة بخط يديه عن طريق الأستاذ سامي غالب، وهو يتلقاها من الأستاذ عبدالرحمن بجاش، ولكن في وقت قريب بدأت بالتواصل معه، وكنت في قمة سعادتي لأني أتواصل مع كاتب وصحفي مخضرم عرفته من خلال عموده الذي كان في صحيفة "الثورة" وكذلك "الشورى".. لقد كان مرحًا ومتواضعًا وجميلًا بلكنته القروية التي يتحدث بها، وبتواضعه وضحكته التي لايزال صداها في اذني.

كان آخر اتصال لي معه في الثامن من أبريل، إذ طلب مني الأستاذ سامي أن أخبره بأنه يعده أن يتابعوا افتتاح أولمبياد باريس معًا، وإذا لم تكن هناك فرصة، فمن المؤكد ستكون في أولمبياد 2028م، عندها ضحك المساح بصوت عالٍ، وقال: قولي لسامي تمام.. تمام إن شاء الله، وشكرًا له.

وها هو رحل تاركًا حسرة في قلوب أهله ومحبيه الذين أبكاهم فراقه.. لقد رحل تاركًا لحظاته تبكينا كل يوم ليست فقط لحظاته التي كان يدونها في الصحف والمواقع، ولكن تلك اللحظات التي عاشها بعيدًا عن أصدقائه وزملائه الذين تركهم، وعاد إلى قريته، مجبرًا، ليرعى الأغنام، وهم بدورهم لم يقصروا معه، فوضعه معظمكم في قائمة النسيان، ولم يسأل عنه أحد باستثناء قلة قليلة، على رأسهم صديقه الصحفي الكبير عبدالرحمن بجاش الذي كان أكثر الناس قربًا للمساح، وأكثر شخص متأثرًا برحيله.
رحم الله المساح... وفي هذه اللحظة توقف الزمن.