القاتل بين يديك

هذه المرة الثانية التي أترك فيها التدخين، وأظنه للأبد.. لم يعد لدي خيار، فالحالة الصحية لا تسمح بـ(ترف) التدخين.

المرة الأولى كانت في العام ٢٠١٤م، حينها ظلت الرغبة الجامحة في التدخين، تطاردني ما يقارب السبعة أشهر، طيلة النهار وآناء الليل وحتى في منامي وأحلامي.

وطوال عشرين عامًا، التصقت بي هذه العادة، حتى أصبحت المسؤولة عن ضبط إيقاع حياتي: الخبر المفرح يتطلب سيجارة لاكتمال النشوة، والمحزن أيضًا يحتاج، للتنفيس عن الهم والكرب، بعد الشعور بامتلاء المعدة، كما في حالة الجوع لتصبير النفس وتهدئتها..

النجاح ينبغي تعزيزه بسيجارة، والفشل يستدعي أخرى، لتناسي الخيبة والمرارة.. الاستيقاظ من النوم يستوجب اللجوء لأثير التبغ، لطرد النعاس، فيما استحضار النوم يفرض الاستعانة بسيجارة.. ناهيك عن طقوس (القات) حيث تتضاعف الشراهة للتدخين، في تناسب طردي مع نوعية القات وجودته.

هكذا دائمًا، طرفي الليل وأثناء النهار، وفي كل حالات الحزن والفرح والغضب والبهجة والفشل والنجاح.. كنت غالبًا محاطًا بالرائحة (الخانقة) للتبغ، حتى كدت أنسى رائحة الهواء الحقيقية.

وخلال تلك الأشهر السبعة القاسية، توقفت عن أي عمل منتج، واقتصر أدائي على المهام الروتينية اليومية لوظيفتي الرسمية.. وانقطعت تمامًا عن الكتابة، التي كلما حاولت الشروع فيها، يتبلد العقل ويتصلب، وتزاد رغبتي في التدخين، كيما تنفتح (المظلة)، وتتدفق الحروف وتلتئم الكلمات والجمل.

لا يمكنني لوم الدخان فقط، الذي ما إن تركته، حتى فاجأني السكر ومضاعفاته الكارثية، تزامنًا مع ما آلت إليه أوضاع البلد الذي لا أدري لمَ كان يوصف قديمًا بالسعيد.. ومع أن سعادة اليمن قديمًا، تظل احتمالًا، فإن المؤكد الآن أنه البلد الأكثر بؤسًا في العالم...

بعد ٨ سنوات من ترك الدخان، ونتيجة تزايد الضغوط في البلد الذي نظنه كان سعيدًا، واستمرار ارتفاع معدلات سكر الدم.. عدت للتدخين، مدفوعًا بقناعة متزايدة بأنني لن أموت بسبب الدخان فقط.. فالقاتل ليس فقط بين إصبعيك، بل في داخلك ومن حواليك.