تتداخل الأصوات:
يا دُب
يا قصعة
يا عبدالملك
يا محمد عبدالكافي
يا وُليد نزل شاهي
يا وَلد أين الفول؟
ومن هناك البوعاني يرفع صوته بين اللحظة والأخرى:
باقي نفر..
هناك كان عبدالملك خويلد بدكانه مهوى الآخرين، وأنا بينهم، أكن للرجل كل الاحترام، وهو مهيب بنبله حد السماء..
عبدالملك الشيباني مثل عبدالملك خويلد "القدسي"، كلاهما يعتمر الكوفية على رأسه، لتكون عنوانه الدائم، وهناك محمد بن محمد، شقيق علي، الدينامو المحرك لمطعم أحمد قائد الشيباني، والد صديقي قائد طيار الستينيات وسنوات الحلم، أحد الذين وأدهم الحقد وجرفتهم الكراهية...
عبدالملك الشيباني لا تفارق وجهه الابتسامة، كلما صادفني:
أين الأعور؟ كانوا يطلقون على عمي ذلك اللقب، ولم يكن كذلك، لكنه حكم العادة.
أرد:
راح باللاندوفر، يعلق الدب من هناك:
يا عبدالرحمن كون قول اللاندروفل
يعقب الحيمي صبي الذبحاني، بخبث بائن:
يا وليد اسمع العلامة الدب... وأضحك أنا.
تتداخل الكراسي ببعضها، يتداخل الزبائن ببعضهم، لكن الطباخ يعرف زبونه!
أحلى الفاصوليا تنزل من عند العم عبدالملك...
وعبدالملك أحد الذين صنعوا حياة تميزت بالاهتمام بالمستقبل، كانوا يشقون ويتعبون، وكله من أجل الأولاد يدرسون، ويكونون أشياء..
العم عبدالملك صنع حياة من خلال أولاده.. مثلما الآخرون لم يقصروا، نحتوا الصخر، قاتلوا وشقوا وتعبوا، كانت النتيجة كبيرة..
تركوا المدينة، وعادوا أدراجهم...
ذلك كان ديدنهم من عدن إلى صنعاء حين نادى المنادي.. قاتلوا في الجبال، وعندما انتهوا من أداء الواجب، لم يذهبوا للبحث عن راتب أو جزاء أو شكور... شمروا السواعد، وفتحوا المطاعم والدكاكين، ولحقوا الرزق إلى كل زاوية...
عندما أقرأ لعلي عبدالملك الشيباني، أتذكر ضحكة والده وهو يدلف من باب المخبز، مخبز الثورة:
يا مجدرر تدرس؟
وأهز رأسي موافقًا
يعود:
أوبه تسمع هذا اللعين "الأحدب"، وتنسى المدرسة.
كان أحدب باب اليمن، صباحات البرد القاسية، يركن على مقدرتي في سواقة السيارة المحروسة بأي شكل، المهم أتركه ينام بجانبي، وعند كل مطعم أنزل أعد الروتي، وأسلم وأمشي... يكون الأحدب يغط في نوم عميق بعد ليلة ليلاء على سيارة الذبحاني الأوستن الإنجليزية، التي جلبها عبدالله عبده علي من عدن "قاتل الله الدخان الأبيض"، لكنه كان يمتلك قلبًا ببياض دخان الليالي الشتوية القارسة...
رجال حقيقيون صنعوا أشياء من اللاشيء، وذهبوا..
رحمك الله يا عم عبدالملك..
و
خبر زلج..