حمام دم في رداع: رد الحوثيين يثير ندوبًا قديمة

تفجير المنازل من قبل الحوثيبين في البيضاء
تفجير المنازل من قبل الحوثيبين في البيضاء (شبكات تواصل)

صرخة يائسة تخترق مقطع فيديو متداولًا على مواقع التواصل الاجتماعي اليمنية. "عائشة عادش بخير!"، هكذا صرخ الأخ وهو يحفر أنقاض منزل حوله هجوم مروع للحوثيين إلى ركام، والأمل يحارب اليأس.

عائشة، وهي واحدة من المحظوظين القلائل الذين نجوا من التفجير الذي دمر منزلها ومنازل جيرانها، أصبحت رمزًا للرعب الذي وقع في حي الحفرة في صباح يوم الثلاثاء 19 مارس 2024.

بدأت المأساة بكمين مسلح يوم الاثنين، زُعم أنه هجوم انتقامي من قبل شاب قروي قُتل شقيقه قبل عام عند نقطة تفتيش للحوثيين برداع، على يد رجال المشرف. رد الحوثيين سريعًا على استهداف شقيق أحد مشرفيهم، بعنف عشوائي. حيث كلفت وزارة الداخلية التابعة لهم حملة بقوة أمنية من صنعاء، للرد. لكن قوات الأمن، التي لم تتمكن من العثور على المشتبه به، لجأت إلى أسلوب له صدى تاريخي مخيف: العقاب الجماعي.

وبدلًا من اتخاذ الإجراءات القانونية في ملاحقة المستهدف، زرعوا متفجرات في منزل المشتبه به، ففجروها بصرخة انتقامية "ضد أمريكا وإسرائيل!". ومنذ تأسيسها دأبت الجماعة الحوثية على حياكة روايات الضحية والصلاح. حيث أسهم ترديدها شعارات ضد الأعداء الخارجيين أثناء التفجير، في ترسيخ هذه الرواية في أذهان مقاتليها.

لم يؤدِّ الانفجار إلى تدمير الهدف فحسب، بل إلى تدمير خمسة منازل مجاورة، ودفن عائلات حية تحت الأنقاض. وأفادت تقارير إعلامية عن مقتل 16 شخصًا، بمن في ذلك عائلة بأكملها مكونة من تسعة أفراد. وتقول مصادر مستقلة إن عدد القتلى والمفقودين قد يصل إلى 32. نساء وأطفال، اختفت حياتهم في لحظة. هذا ليس حدثًا معزولًا.

 

العقاب الجماعي

يحظر القانون الدولي الإنساني العقاب الجماعي بشكل صارم. ويندرج التفجير العشوائي للمنازل في رداع بشكل مباشر ضمن الجرائم الجسيمة.

واعترف الحوثيون، الذين يواجهون إدانة دولية، في اعتراف نادر، بالحادثة، وفقًا لبيان نشره الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التابعة لهم. لكنهم قللوا من أهميتها، وألقوا باللوم فيها على "تصرفات فردية غير مسؤولة"، ووعدوا بالمحاسبة. وهو تعهد أجوف بالنظر إلى تاريخهم. هذا الهجوم لم يكن حالة شاذة. إنها بصمة قاتمة لحكم الحوثيين.

يكشف تقرير حقوقي حديث، رصد عمليات تفجيرات المنازل من قبل الحوثيين بين الفترة من مارس 2011 حتى ديسمبر 2023، عن حقيقة مروعة، حيث تعرض 118 منزلًا في محافظة البيضاء وحدها للقصف من قبل الحوثيين، وهو جزء من إجمالي مذهل يبلغ 731 منزلًا في جميع أنحاء اليمن.

 

تكتيك قديم وسلاح للإرهاب

تفجيرات المنازل هذا ليس تكتيكًا جديدًا كليًا. حيث وجد معد التقرير استخدام الحوثيين التاريخي لذلك كسلاح للإرهاب حتى قبل الأزمة اليمنية واندلاع الصراع. فمثلًا، في عام 2008، بعد انتهاء الجولة الرابعة للحرب التي خاضها الجيش اليمني ضد التمرد الحوثي في صعدة، معقلهم الأول، لوحظ هذا النهج مع استهداف الجماعة القبائل المعارضة لها، بالإضافة إلى إحراق مزارعهم واختطافات لزعمائهم.

وتهدف هذه الاستراتيجية، المتجذرة في ماضي الجماعة، إلى سحق المعارضة من خلال الخوف. وفقًا لتقرير صادر عن مركز صنعاء للدراسات، فقد أدت التكتيكات المماثلة في صعدة، إلى إرغام القبائل المحلية على الاستسلام أمام شبح تحول منازلهم إلى أنقاض. كما أدت إخفاقات الحكومة إلى تفاقم المشكلة، مما ترك فراغًا ملأه الحوثيون بسهولة.

إن ندوب الانتقام الحوثي عميقة. ويؤكد التقرير أن التفجيرات التي استهدفت زعماء القبائل إثر سيطرتهم على الجوف، في عام 2020، أسهمت بشكل كبير في تحييد المعارضة، وتمهيد الطريق أمامها. وتكررت هذه اللعبة في مدينة الحزم، عاصمة المحافظة، حيث يشدد الموالون للحوثيين قبضتهم الآن.

إن قصف منازل المدنيين ليس مجرد تكتيك للحوثيين؛ إنه صدى قاتم لماضي اليمن. حيث تعكس هذه القسوة المحسوبة ممارسات نظام الإمامة، الذي أطاحت به ثورة 26 سبتمبر عام 1962، لتطوي بذلك فصلًا مظلمًا في التاريخ اليمني، الذي وثق استخدام الإمامة لأساليب مماثلة. يحاول الحوثيون منذ سنوات إعادة إحياء شبح وحشي من رماد التاريخ اليمني.

 

سيكولوجية التطرف

يكشف رد الحوثيين في رداع عن جانب مخيف للجماعات المتطرفة في الصراع: السهولة التي تلجأ بها إلى العقاب الجماعي والعنف ضد المدنيين الأبرياء. تعزيز شعور قوي بـ"نحن" في مواجهة "هم"، مما يؤدي إلى شيطنة الغرباء، وتصوير أنفسهم على أنهم القوة الصالحة الوحيدة. وتسلط هتافات الحوثيين ضد أمريكا وإسرائيل أثناء التفجيرات والقتال، الضوء على هذه العقلية، بينما تؤطر الصراع باعتباره صراعًا ضد عدو أوسع.

ولتبرير العنف ضد المدنيين، تبنى الحوثيون خطابًا يقوم بتجريد خصومهم من إنسانيتهم، من خلال تصنيف أولئك الذين يعارضونهم على أنهم "خونة" أو "متعاونون"، مما يسهل تجاهل حياتهم. ويظهر رد فعل الحوثيين، تجاه الكمين، هذا الانفصال عن التكلفة البشرية.

وخلال سنوات الصراع، غالبًا ما انخرطت جماعة الحوثي في دورة من الانتقام المتصاعد، حيث تعتبر أي استخفاف بمثابة تهديد وجودي. فبينما عمدت الجماعة منذ تأسيسها إلى نسج روايات الضحية والصلاح، فقد أدى ترديدهم لشعارات ضد الأعداء الخارجيين أثناء الهجوم والتفجير، إلى ترسيخ هذه الرواية في أذهان مقاتليهم.

إن استهداف المدنيين والعقاب الجماعي على أفعال الأفراد، ممارسات محظورة بموجب القانون الدولي، حيث يصنف ممارسات الحوثيين مثل العقاب الجماعي جريمة حرب، كما يعتبر قصف منازل المدنيين أو تفخيخها، ردًا على الكمين انتهاكًا صارخًا.

يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية محاسبة مرتكبي جرائم الحرب. حيث يلقي مبدأ "مسؤولية الحماية" (R2P) عليه عبئًا لمنع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية. إن عدم وجود آلية قوية لإنفاذ القانون الدولي يسمح لمرتكبي الجرائم بالإفلات من العقاب. يجب على المجتمع الدولي استكشاف سبل التدخل لحماية المدنيين اليمنيين.