الدكتور محمد حسين شمسان.. غادرنا دون وداع

الدكتور محمد حسين شمسان
الدكتور محمد حسين شمسان

لم يعد الموت يخيفنا في هذه السنوات العجاف، المليئة بالأحزان، المصبوغة بالدم، المغطاة بالجثث والأشلاء وأنقاض البيوت المدمرة. فالموت الذي حصد أرواح الآلاف من الأبرياء، على امتداد سنوات الحرب المشؤومة، سقطت هيبته ورهبته، وتحول إلى مجرد حدث يومي عابر، لا يُحدث خوفًا، ولا يهز مشاعر، ولا يكاد يستدعي دموعًا.

ولكن الموت نفسه، بالرغم من أننا تعايشنا معه ولم نعد نكترث له أو نأبه به، يمكن أن يروّعنا في لحظة فارقة، فيهز مشاعرنا، بل يبكينا، إذا ما امتدت يده إلى شخص عزيز، لم نتخيل يومًا أنه سيغيب عنا، ولا نتصور حياتنا بدون وجوده، حتى ولو كانت أمارات وجوده مجرد رسالة قصيرة أو تحية مقتضبة، يرسلها إلينا من بعيد، من غربته الإجبارية، تذكرنا بأنه مايزال يعيش، وأنه لم ينسنا ولم ينقطع عن التفكير بنا، رغم ظروفه الصعبة، وهمومه التي تصرف عادة من يعاني همومًا مثلها عن التفكير في أقرب الأصدقاء إلى نفسه، وعن أقرب المقربين من أهله. هذه هي حالنا مع الموت، وحالتنا مع العزيز الغالي محمد، الذي غادر دنيانا فجأة ودون وداع.

محمد حسين شمسان، اسم يختلف وقعه في النفس عن وقع أسماء كثيرة عرفتها. اسم لشخص استأثر بمشاعر كل من عرفه، واحتل مكانة خاصة في القلب، منذ كان طالبًا في دمشق، يستقبلني وأنا قادم إليها من عدن، لتقديم امتحاناتي في جامعتها في نهاية كل عام دراسي. كان -رحمه الله- اليد التي تمتد لمساعدتي والعين التي تتابع كل ما يتعلق بالمواد الدراسية وبجدول الامتحانات في قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية، الذي كنت منتسبًا إليه، ويقدم لي نصائحه المفيدة بطيبة لا مثيل لها.

هذه لمحة سريعة مقتطعة من سياق علاقتي الممتدة بالعزيز محمد. وهي لمحة تحمل الكثير من المعاني الأخلاقية والسمات النفسية والسلوكية، التي امتلك بها قلوب زملائه وأصدقائه وكل من عرفه عن قرب.

لقد غادرنا محمد، ببشاشته المحببة وبسمته الطفولية المتميزة، التي لم تكن تفارقه، وبحضوره الدائم في القلب وفي الذاكرة. ومهما نثرت من كلمات تخنقها العبرات، سأظل عاجزًا -كما لم يحدث معي من قبل- عن التعبير عن مشاعر الألم والحزن التي اجتاحتني، عندما قرأت العبارة الصادمة في رسالة قصيرة تلقيتها من رفيقي وزميل دراستي عبدالغني عبدالقادر: "أعزيك بوفاة الصديق العزيز محمد حسين شمسان". ولا شك في أن كل أصدقاء ومحبي محمد قد غمرتهم المشاعر نفسها، لفقدهم هذا الصديق الإنسان القريب إلى النفس، الذي سنظل نحتفظ له في وجداننا بأصدق المشاعر وفي ذاكرتنا بأجمل الذكريات، حتى نغادر جميعنا هذه الدنيا الفانية.

رحم الله فقيدنا الغالي، وأسكنه فسيح جناته، وعزاءً لأسرته وأهله وأصدقائه ورفاق دربه، وعزاءً لليمن بفقد ابن بار من أبنائه، تفانى في خدمته بإخلاص وصمت، وبتواضع ونكران للذات لا مثيل لهما. فلله ما أعطى ولله ما أخذ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.