"فاقدين لك": عبدالكريم الخيواني.. مازالت الغصة!

"لقد كنت أنكر رحيل أبي، كنت أقول للموجودين ببيتنا بأن أبي لم يمت، سيعود، لقد وعدني بذلك، كان بيننا وعود بأشياء نفعلها معًا، ووالدي لا يخلف وعده لي، لم أوافق حتى على لبس ملابس سوداء. في اليوم التالي كان لا بد من إقناعي برحيل أبي، ذهبنا إلى المستشفى، صديقاتي بجانبي عند الدخول لغرفة الثلاجة، كانت خطواتي بطيئة جدًا، خائفة جدًا، لا أريد رؤية أبي هناك، كنت أهمس بداخلي: يا رب كذب يا رب كذب". آلاء الخيواني من صحيفة "النداء".

**

عبدالكريم الخيواني (منصات التواصل)
عبدالكريم الخيواني (منصات التواصل)

أفتش في الصور، تطالعني صور كثيرة، منها صور عبدالكريم الخيواني، صديقًا وكاتبًا، في مواقف شتى، صور مبثوثة لسنوات منصرمة، لكنها باقية في القلب والذاكرة.

عبدالكريم مع صديقيه سامي غالب وفكري قاسم اثناء مشاركتهم في فعالية لجائزة الشهيد سمير قصير- بيروت 2010
عبدالكريم مع صديقيه سامي غالب وفكري قاسم اثناء مشاركتهم في فعالية لجائزة الشهيد سمير قصير- بيروت 2010

أتذكر ابتسامته التي تسبقه، وتجمل المكان الذي نكون فيه مع ثلة من الأصدقاء، أكنا في نقابة الصحفيين، أم في مؤتمر الحوار، أم في الاعتصامات وما أكثرها في بلد "الإيمان والحكمة"!




تمعنت في العديد من صوره وصور أولاده، وتذكرت سيرة بيته وتفاصيله، البيت المفتوح على اللقمة، ولمة الأصدقاء والأهل، الكرم من اسمه" ارحبوا على الحاصل"، والحاصل، هو الأكل اليمني الذي لم يغادرنا مذاقه حتى اليوم، روح اللقمة كانت على أيدي زوجته الماهرة، أم محمد، وطعم الأكل الشهي الذي يخفف الوجع. تُطيب الطعام، وترحب وتسهل بنا بابتسامة، وتودعنا بالمثل.

في تفاصيل بيته المتواضع لوحات وزوايا أليمة: "غرفة النوم"، التي اختطفه العسكر منها وأمام أطفاله، معصوب العينين، ومكبلًا بالقيود.
عندما فتح كريم ملف "التوريث"، فتحت عليه أبواب جهنم، خطفًا وسجنًا، وإرهابًا، تهديدات أقضت مهجعه، وروعت أسرته، وزملاءه من الصحفيين والكتاب الذين خافوا على حياته. لم يملكوا سوى الاعتصامات والبيانات، في الداخل والخارج، من المنظمات الفاعلة في مجال حقوق الإنسان.

تلك الحياة القلقة والفجائع المتوالية من سيل التهديدات، عليه وعلى أسرته، ويقول: "ياااا رب لا تمس أولادي بأذى"، أصيب بالأزمة القلبية، وأخذت من قلبه الوجيع، كنا ننصحه، يا كريم خفف التدخين، ولا تأكل أشياء دسمة، يجيبك بضحكاته: خليها على الله، فقط اعمل ليمون على كل ما هو دسم، وقل بسم الله!

الخيواني، لا يكون إلا أبًا وأخًا كبيرًا على الملتمين معه على المائدة، يبادرك: "كل من هذا، اطعم من هذا، سلتة طُعيمة"، فيكوّم الأكل قبالتك، هذا هو كريم الذي نعرفه، المتمرد على كل شيء.

يخرج من السجن، ويواصل كتاباته ومواقفه في الحقوق والحريات، واستغاثات صعدة التي تناوبت عليها الحروب والمجاعات. لم تشفع له الجوائز الدولية، منها جائزة منظمة العفو الدولية "صحافة حقوق الإنسان المعرضة للخطر"، وظل الخطر يلاحقه، حتى رحيله الفاجع والمدوي معًا، في 18 مارس 2015.

كان اغتيالًا مشهديًا، مازال يكشط ذاكرتنا ألمًا، إذ كيف استطاع كريم أن يتغلب على مرض القلب، بـ"خليها على الله، والليمونة المباركة"، ليخذل برصاصة قتلته أمام ابنته الصغيرة والمارة وتراب الأرض، والبيوت والمحلات في جادة شارع هائل بصنعاء "ادخلوها آمنين"!

أتذكر ذلك اليوم، عندما تداعى الخبر إلينا، قفزتُ إلى بيته في شارع هائل، رأيت الناس، والضجة، كان الشارع مكلومًا إلا من الضجيج والألم والفجيعة، خصوصًا فجيعة ابنته "إباء"،
التي رأت كل شيء. فالقتلة الجبناء، لم يتركوا لابنته أن تنجو من الصدمة، لقد كانت الرصاصة وموتور القتل البارد تريد اغتياله مراااات، ماديًا ومعنويًا.

**
تذكرت وأنا أحدق في الصور، ذات مرة، وأنا في مؤتمر الحوار، حييته بإشارة من كفي المحناة، فهرول مسرعًا، قلت، من "الربشات" حق كريم، بعد ذلك، قال لي: لو سلمتي علي بيدك المحناة، لن أبادلك السلام، "أكره ما على قلبي الحناء"، ضحكتُ، وأردفت بدعوتي المعهودة: "جني شلك يا عبدالكريم"، إلا الحناء!

أتذكر، أيضًا، عند ذهابنا إلى صعدة في بداية فبراير 2014، كان يتنقل كأب وطفل، يحن على الكل، كنت أنا وبعض المسافرات من ضمن مجموعة من الصحفيين، كان يتفقدنا، بـ"كل شيء تمام!". ولن ننسى ذلك الصبوح في مطعم المدينة.
فكيف بالله عليك، تتركنا هكذا؟!

مقتطف خيواني:

"أيها القادم هل لي ببعض الأماني
كي تثير ارتياحي
العباد الذي طرت يومًا إليهم
بادلوا سماوات أرضي برغيف
فأعد لي جناحيّ
والبلاد التي ذبحتني
بالحب والحلم
رمتني بإرثٍ ثقيلْ
فأعد لي جناحيّ
بلادي تفتح أبوابها لجميع الغزاة
وترمي بسكانها في عراء المصالح
فأعد لي جناحيّ
أغادر هذا الزمان
في بكرة من صباحي"
**
فهل، نضحك في ذكراه التاسعة، كي تطلع الصورة حلوة؟!