اليمن: الجوع يتسلل إلى مائدة الإفطار الرمضانية

تراجعًا كبيرًا في القوة الشرائية لدى المواطنين(النداء)
تراجعًا كبيرًا في القوة الشرائية لدى المواطنين(النداء)

تحت وطأة الحرب والحصار، وانقطاع مرتبات غالبية موظفي الدولة للعام السابع على التوالي، يستقبل اليمنيون شهر رمضان هذا العام، بالكثير من التحديات الاقتصادية والمعيشية التي ألقت بظلالها على طقوسهم المعتادة خلال الشهر الفضيل.

وشهدت الأسواق اليمنية في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، تراجعًا كبيرًا في القوة الشرائية لدى المواطنين، الذين عجزوا في الغالب عن تلبية متطلبات شهر الصيام.

ومع استمرار معدلات التضخم في اليمن، تشهد الأسواق ارتفاعات متتالية في أسعار السلع والمواد الغذائية، ما يضاعف معاناة أرباب الأسر الذين باتوا يواجهون صعوبات مركبة في توفير ما يسدون به ألم أمعائهم الجائعة ومن يعولون.

وعامًا بعد آخر تختفي الكثير من الأطباق الرمضانية من على مائدة هذا الشهر، بعد أن صار الحصول على المواد الغذائية الأساسية هو الهم الشاغل لدى الكثيرين.

تقول أم محمد: لم نعد نهتم بالأطباق الرمضانية والأكلات الخاصة التي اعتدنا على تناولها في رمضان كل عام، بعد أن صرنا ننتظر التمر الذي سنفطر عليه من فاعلي الخير.

المرأة الأربعينية تستذكر بحزن الفرحة التي كانت تسبق رمضان بأسابيع، والانهماك بالتسوق وتحضير متطلبات هذا الشهر، سواء من الأطعمة والحلويات أو بقطع أثاث جديدة للمنزل وترتيبه وتنظيفه. "حتى سنوات قليلة، كنا نعيش حياة أفضل. لم يكن ينقصنا شيء ولله الحمد من قبل ومن بعد. كنت وأسرتي نقضي أوقاتًا طويلة في التسوق قبل حلول رمضان، ونقضي ساعات أخرى في نهار رمضان لتحضير الأكلات الخاصة بهذا الشهر، لكننا اليوم ننام ببطون جائعة بعد ساعات طويلة من الصوم".

 

أزمة غذاء

الامن الغذائي في اسوأ مستوياته (منصات التواصل)
الامن الغذائي في اسوأ مستوياته (منصات التواصل)

عدا أم محمد، يستقبل ملايين اليمنيين شهر رمضان بظروف اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة، ضاعفتها الاضطرابات التي يشهدها البحر الأحمر، والتي أسهمت في ارتفاع كلفة وصول سفن البضائع إلى الموانئ اليمنية، مما دفع بغالبية الأسر اليمنية للعيش تحت مستوى خط الفقر.

وبحسب تقرير أممي حديث، فإن أكثر من 17 مليون يمني سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال العام الحالي 2024، موضحًا أن أسرة واحدة من بين كل خمس أسر تعاني من فجوة شديدة في استهلاك الغذاء.
التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، قال إن 17.6 مليون شخص في اليمن معرضون للجوع الحاد وسوء التغذية، خلال العام الحالي، بسبب استمرار الأزمة الاقتصادية وزيادة نسب البطالة وانعدام الاستقرار وارتفاع أسعار الغذاء والدواء والوقود.

هذا الحال المتردي جعل العديد من اليمنيين يعتمدون على المساعدات، سواء من قبل المنظمات الدولية، أو رجال الأعمال والمؤسسات التجارية وفاعلي الخير الذين اعتادوا على تقديم المساعدات لمحتاجيها خلال شهر رمضان. إلا أن هذه المساعدات باتت تصطدم بسياسات تعقيدية من قبل جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات شمال ووسط اليمن.

حيث تشترط جماعة الحوثي التدخل في توزيع وتوجيه المساعدات وفقًا لقوائم مستفيدين يتم إعدادها من قبل الجهات التابعة لها، وهو ما رفضته عدد من الهيئات الإغاثية الكبرى العاملة في اليمن، من بينها برنامج الغذاء العالمي، الذي سبق أن علق نشاطه في المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بعد اتهام البرنامج لنافذين في الجماعة بالتلاعب وتزوير بيانات المستفيدين من المساعدات.

عدا ذلك، ضيقت جماعة الحوثي الخناق على التجار وفاعلي الخير والمبادرات الإنسانية الراغبة في تقديم المساعدات الرمضانية لمحتاجيها. وتطالب الجماعة فاعلي الخير بتوزيع المساعدات عبر مشرفيها وهيئاتها المعنية.

وهو ما تؤكده أم محمد التي قالت إنها هذا العام لم تستلم سلة غذائية كما هو عليه الحال قبل عامين. وأردفت: "خوفوا فاعلي الخير من مساعدة المحتاجين.. حسبي الله عليهم".

مصطفى نصر- رئيس مركز الإعلام الإقتصادي
مصطفى نصر- رئيس مركز الإعلام الإقتصادي

وحذر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر، من سياسات التضييق على تقديم المساعدات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. وقال في حديثه لـ"النداء": "رغم صعوبة الوضع في رمضان، إلا أن الدعم الإنساني الخيري وغير الرسمي للأسر الفقيرة، يخفف من الوضع الإنساني الصعب في بعض المناطق التي تعاني من فقر شديد".
وأضاف نصر: "غالبية اليمنيين يعانون اليوم سواء في المناطق التي يتسلم فيها الموظفون اليمني مرتباتهم التي فقدت ثلثي قيمتها وأكثر، أو المناطق التي لم يتسلم الموظفون فيها مرتباتهم، حيث يعتمد الكثير منهم على تحويلات المغتربين وعلى المساعدات الإغاثية والمساعدات البينية في إطار الأسر والميسورين".

 

ركود في الأسواق

وبسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنون، أصبح الإقدام على شراء متطلبات الشهر الكريم يتضاءل عامًا بعد عام، وفي زيارة لعدد من المولات الخاصة بالسلع الرمضانية، لوحظ تراجع كبير في عدد المستهلكين الذين يقومون بالتسوق، بعكس ما كان عليه الحال في السابق، إذ كانت تشهد هذه الأماكن ازدحامًا كبيرًا للمواطنين، خصوصًا مع وجود التخفيضات المختلفة.

ويرى نصر أن فقدان المواطن اليمني جزءًا كبيرًا من دخله بسبب تآكل العملة وارتفاع الأسعار، أدى إلى جعله غير قادر على شراء الاحتياجات الأساسية، مشيرًا إلى أن قدوم شهر رمضان أضاف متطلبات كبيرة في الإنفاق، وهو ما جعل الأسر اليمنية أمام عبء كبير في هذه الأوقات.

وأكد أن هناك تحديات كبيرة وصعوبات عديدة تواجه المواطن اليمني مع استمرار الحرب وتردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية، وما نتج عنها من تدهور لسعر العملة في مناطق سيطرة الحكومة "المعترف بها دوليًا"، أو ثباته مع عدم التحسن في الأسعار كما هو الحال في مناطق سيطرة الحوثيين، وانعكاس ذلك على وضع الأسر اليمنية التي تواجه تحديات كبيرة.

وفي التطورات الأخيرة للوضع اليمني، وتحديدًا التداعيات الإقليمية والدولية، وما يحدث في البحر الأحمر من عمليات استهداف سفن شحن من قبل جماعة الحوثيين، فإن عام 2024 سيحمل معه صورة قاتمة للوضع الاقتصادي الذي لم يتعافَ بعد منذ الحرب التي اندلعت في 2015، وستسبب تلك التداعيات إضافة أعباء أخرى على المواطن اليمني الذي قد يأتي العام القادم وهو على حافة الجوع.